محمية للمبدعين
خيري منصور
ما من حاسوب عربي أحصى عدد المبدعين العرب الذين هاجروا خلال العشر سنوات الماضية بسبب ما تعرض له العالم العربي من أعاصير عصفت باستقراره النسبي. وقد يكون عدد الأكاديميين الذين هاجروا إلى الغرب خلال النصف الثاني من القرن الماضي معروفاً، لأن لهم مواقع في جامعات ومعاهد، لكن المبدعين من روائيين وشعراء وكتّاب مسرح ورسامين لا مواقع محددة لهم، ولم تكن هجرتهم اختياراً شأن الكثير من العلماء والأكاديميين، ولو احتشد هؤلاء أو نصفهم في بلد عربي واحد استطاع اجتذابهم لتحول إلى محمية بشرية للإبداع، لأن ما حكم به المبدعون هو قدر من الحرية، وحياة آمنة كريمة، وهذا ما لم يتوفر في حروب أهلية وشبه أهلية، خصوصاً بعد أن تعرض مبدعون للقتل والتجويع والتشريد.
وإذا كان بمقدور عالم الفيزياء أو الطب أن يندمج في مجتمعات أخرى ويواصل تجاربه في مناخات حاضنة فإن المبدع في المجالين الأدبي والفني لا يستطيع ذلك. والروائي العربي الذي عاش نصف عمره في لندن أو باريس أو نيويورك وغيرها من عواصم العالم ينقطع بالضرورة عن المادة الخام لعمله، وهي الواقع الذي عاش فيه صباه، وكذلك الشاعر والموسيقي والرسام.
ويلاحظ أن معظم المبدعين المهاجرين تستغرقهم «نوستالجيا» تستنزف طاقاتهم، وغالباً ما تكون كتاباتهم من الذاكرة، وما سمعناه مؤخراً من كاتبة عربية تعيش في ألمانيا منذ أربعة عقود يحتاج إلى تحليل معمق، قالت إنها تشتاق إلى غبار الصحراء، وحرارة الصيف اللاهبة، وأكثر من ذلك إلى أزقة وشوارع غير نظيفة، وتعبث القطط بما تراكم من نفاياتها على الأرصفة. وقد تكون محقة في كل ذلك، لأن الاندماج في سياق مغاير ليس سهلاً، لاختلاف أنماط التفكير والسلوك وكذلك العادات والطقوس الاجتماعية.
والباقون من المبدعين العرب في بلادهم ليسوا سعداء وآمنين، ومنهم من يجد المنفى أرحم عليه من واقع يسحقه.
إن الحلم بمحمية للمبدعين العرب أو من تبقى منهم على قيد الإبداع لا يحتاج إلى يوتوبيا، بل إلى حدّ أدنى من الشعور بالأمان، لأن هذه السلالة أصبحت عرضة للانقراض!