قضايا ودراسات

مخبأ من الهدايا

الشيخة جواهر بنت عبدالله القاسمي

لا أذكر أنني شعرت بالملل أو الفراغ في طفولتي بالشارقة، كل يوم كان يحمل إلينا مغامرة جديدة مع المعرفة والاكتشاف. كأن هذه المدينة مخبأ من الهدايا، تُخرج من جعبتها كل يوم هدية للأطفال: زيارة متحف، حديقة الألعاب، ورش فنية، مخيم صيفي… ولم نكن بحاجة لمغادرة الشارقة بحثاً عن مدرسة أو جامعة فمستوى التعليم كان ولا يزال بأفضل حال.
ولعل أكثر ما يميز الشارقة أنها تبني بينها وبين الأطفال روابط من الألفة، وكلما كبرنا كبرت هذه الألفة معنا ونقلناها إلى أطفالنا عن غير قصد… كنا صغاراً نرتاد الحدائق ونلتقي بكل أقربائنا في مكان واحد، واليوم أجيال جديدة من عائلاتنا تلتقي في الحدائق نفسها وترتاد الأمكنة نفسها، إنها ذاكرة المكان التي تعمق الانتماء وتقوي الروابط بين الأسرة والمجتمع.
لا أعتقد أن المدن الحديثة اليوم قادرة على الحفاظ على طابع الألفة في شوارعها ومرافقها، فهي تواكب العصر بعماراتها وطرقاتها ومرافقها إلا أنها تفقد تدريجياً ملامحها الأليفة ويشعر قاطنوها بالغربة… مدينتنا تتجدد كل يوم لكنها تحافظ على روحها في الوقت نفسه، فكل جيل يشعر أن له فيها ذكرى غالية على قلبه وتتواصل الذكريات من جيل إلى جيل من دون انقطاع أو تحول مفاجئ يفقد المكان هويته وطابعه الأليف.
كذلك تتوارث الأجيال نمط حياة صحياً فكل طفل يكبر في الشارقة له خيارات متنوعة لصقل شخصيته. أذكر أنني تطوعت لملتقى الأطفال العرب الذي تنظمه مراكز أطفال الشارقة، وكنت على مدار سنوات طفولتي أستقي من هذه التجربة خبرات كثيرة وأكتشف ذاتي. هذه الأنشطة صقلت شخصيتي وبنت لدي مهارات التواصل مع الآخرين وبناء الصداقات والأهم أنها زرعت الثقة بنفسي.
أحياناً أتأمل ما عشته في طفولتي وأدرك الغنى الذي طبع تجاربي وتجارب أطفال آخرين… حتى عندما كبرنا بقيت طفولتنا نضرة في قلوبنا لأن الشارقة- المدينة الصديقة للأطفال واليافعين – بقيت تفرح وتتجدد مع أجيال جديدة من الأطفال… ولعل ذلك يفسر اختياري للعمل مع الأطفال، فمهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل يختزل في رسالته وأهدافه كل ما علمتنا إياه الشارقة من قيم، وأسلوب حياة ونمط، من العمل بفرح ورغبة في التعلم وطموح للإبداع.

*مديرة مؤسسة «فن» ومهرجان الشارقة السينمائي للطفل

زر الذهاب إلى الأعلى