مقالات عامة

مذيعات بأوزان المكياج

مارلين سلوم

نجلس أمام الشاشة، نشاهد ونعمل في نفس الوقت على تدوير أي معلومة نسمعها من المذيعين والمذيعات. لم نعد مجرد متلقين تدخل المعلومة في أذهانهم، فيصدقونها وكفى، بل صرنا كأي باحث ومحلل، نفتح موسوعة معارفنا، ونستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنوافق أو نعترض مباشرة، وقبل أن تنتهي مدة البرنامج الذي يبث على الهواء. لذا، فمن الغباء أن يتعامل أي مذيع أو مذيعة مع المشاهدين باعتباره الأستاذ وهم الطلبة، يتقبلون منه أي شيء ويحفظونه بكل طاعة واستسلام.
البعض لم يفهم بعد أننا صرنا في عصر الخطاب الفكري، وأن وظيفته كمذيع لا تسمح له بالتعامل مع الجمهور باعتباره غير واعٍ ولا مثقف، يرمي له أي معلومة، يملأ الهواء كلاماً فيه قدر من التضليل ويمضي بسلام. لذا تجد أحياناً أن تعليقات المشاهدين والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي أعمق وأهم من الكلام الذي تفضل به المذيع في بثه المباشر طوال ساعة أو أكثر بلا انقطاع.
للأسف، في هذا الزمن المنفتح، والذي صار فيه كل إنسان مذيعاً وصحفياً وناشراً للأخبار ومصوّراً، تتراجع صورة المذيع وتنهار المعايير التي على أساسها يتم قبوله ليخرج على الهواء ويتحمل مسؤولية كلمته وبرنامجه.
معيب أن تجد اليوم مذيعة تسقط في الخطأ عدة مرات ولا تتعلم، والخطأ ليس لغوياً ولا علاقة له بالصرف والنحو، بل هو خطأ مهني فادح، يكشف مستوى المذيعة الثقافي والمهني بلا أي ريب. والسؤال الذي يرد إلى ذهنك فوراً، كيف ترضى القنوات بتسليم «الهواء» لمذيعة تتلقف أي معلومة من جلسة على المقهى أو دردشة مع صديقاتها، أو تلتقطها من «تويتة» أو أي صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، فتتبناها وتسرع بإطلاقها في وجوه المشاهدين؟ والمعلومة تشكل لها مادة دسمة تفتح شهيتها على الإسهاب في الحديث بلا أي رادع على الهواء، طالما أن مخزونها الثقافي ضئيل، وقدرتها على ملء كرسيها كإعلامية يشوبها بعض الخلل، لذا تكتفي بما وصل إلى أسماعها، من دون التحقق من المصدر أو صدق المعلومة، ومن دون وضعها في ميزان الأمانة المهنية، وميزان الكلام العاقل، ومن دون دراسة أبعاد تلك الكلمات وما قد تسببه من أزمات.
تخطئ مرة بحق دولة عربية شقيقة، وتعتذر، ثم تعيد الكرة مرة ثانية وثالثة، لتضرب ثلاث دول عربية، وبشكل متباعد نوعاً ما زمنياً. ألم تتعلم الدرس من المرة الأولى؟ وهل ينفع الاعتذار في مثل هذا الإهمال المهني وانعدام الوعي الثقافي والسياسي؟ وسواء أكان سبب تراكم تلك الأخطاء بحق الشعوب والدول من قبل المذيعة جهلاً وتهوّراً، أم إحداث الضجة «وفرقعة» على مواقع التواصل وصفحات الإعلام الإلكترونية، هل يجوز تسليمها مسؤولية برنامج سفسطة سياسية على الهواء؟
المعايير اختلفت عما كانت عليه بالماضي صحيح، لكن المعايير الإنسانية والأخلاقية والثقافية والحس الصحفي والمسؤولية تجاه الكلمة والجمهور، لا يجب أن تكون موضع فصال وتفاوض، ولا أن تتم تنحيتها جانباً لحساب معايير أخرى تفتح الأبواب أمام من هب ودب، ليجلس على الكرسي ويقدم نفسه «مذيعاً» و«مشهوراً».
من أزمة غياب المعايير أيضاً، أن نجد مذيعة، تقيس المهنة بأوزان المكياج، وطول الرموش، وشدة بريق «الابتسامة الهوليوودية» كما يسمونها. ومذيعة تتباهى بقدّها الميّاس، وتتجمل لتجذب أكبر عدد من الجمهور، وعند الامتحان تكشف عن فراغ تام في المضمون، منهن الجاهلات ثقافياً، ومنهن المغرورات الباحثات عن الشهرة والمال فقط. ومن آخر السقطات المهنية والتي كشفت عن انعدام الحس بالمسؤولية المجتمعية والإنسانية، طلب مذيعة 20 ألف درهم لقاء تلبية رغبة طفلة مريضة بالسرطان بلقائها وتمضية يوم معها. هل هي حرية شخصية؟ إنه الحس الإعلامي المفقود، والخطأ فيه ممنوع.

marlynsalloum@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى