مع صديق كهذا لا حاجة للعدو
فهد إبراهيم الدغيثر
استمعت إلى نقاش تويتري نظمه أحد الصحفيين من مؤسسة بلومبيرغ للحديث عن العلاقات السعودية الأمريكية في أعقاب قرار أوبيك+ الشهير بخفض الإنتاج النفطي مليوني برميل. اجتهد المشاركون بطرح الآراء المتنوعة بموضوعية مقبولة غير أن مناقشة هذا العنوان كان يفترض أن تتناول سيرة العلاقات بين البلدين لفترات ومراحل متعددة منذ أن دخل الرئيس أوباما البيت الأبيض.
البداية السيئة أتت مع تبني إدارة أوباما لما يسمى بثورات الربيع العربي والدعم الواضح للجماعات الإسلامية وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين ضد ما يسمونه بالحكومات الملكية. الجميع أدرك فيما بعد أن التوجه الأمريكي المذكور تسبب في دمار دول وذهب الآلاف ضحايا هذه «الديموقراطية» المزعومة. ماذا نسمي الهرولة نحو إيران لتوقيع ذلك الاتفاق المشؤوم، وهي التي لم تتردد في التدخل في العراق وسوريا واليمن وقبل ذلك لبنان وتشارك في قتل الآلاف من الأبرياء؟ ماذا نسمي تردد أمريكا في الرد على تهديدات إيران للمملكة العربية السعودية عبر ميليشيا الحوثي؟ أين التحالف بين السعودية وأمريكا وشعارات الدفاع عن الحلفاء في الخليج العربي؟
قبل ذلك أين اللوم ولو بأقل درجات العتب على إيران لتوفيرها الملاذ الآمن لرموز القاعدة قبيل الحملة الأمريكية على أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ من الذي أسهم لوجستياً بدعم القاعدة في عملياتها ضد الجيش الأمريكي في العراق غير حكومة إيران المدللة؟ لماذا تم الدعم الأمريكي لجميع الثورات في زمن الربيع العربي باستثناء ثورة الشعب الإيراني باعتراف الرئيس أوباما نفسه قبل أيام؟
حتى بعد تصنيف الرئيس ترمب للحوثيين جماعة إرهابية، يتم إلغاء هذا التصنيف بسرعة البرق مع دخول الرئيس بايدن للبيت الأبيض، وهو الذي قطع على نفسه وعداً بأن يحول المملكة إلى دولة منبوذة. ثم يتم سحب بطاريات الدفاع المضادة للصواريخ الباليستية في وقت كانت المملكة تستقبل العشرات منها ويتبع ذلك إيقاف مبيعات الأسلحة.
العمل لم يتوقف، إذ تم توفير الملاذ الآمن للمسؤول السعودي الهارب بمليارات الدولارات واعتباره صديقاً للمخابرات الأمريكية، وما هو إلا موظف خائن استغل منصبه لنهب المال العام على حساب أمن الوطن. هنا يحق لأي متابع منصف أن يتساءل: مع صديق كهذا هل هناك حاجة لوجود عدو؟
ما الذي فعلته الحكومة السعودية مقابل كل هذا العداء غير المبرر له؟ لم تفعل السعودية شيئاً ضد الحليف الاستراتيجي لأنها شرعت منذ السنوات الخمس الماضية وفي خضم كل هذه السلوكيات من الحليف الكبير ببناء نهضتها الحديثة التي ينعم بثمارها الشعب السعودي ويتحدث عنها القاصي والداني في منطقتنا والعالم. بل لعلها أصبحت من أهم القوى الناعمة السعودية كما نشاهد فيما بعد. لم تتبادل المملكة الشتائم مع وسائل الإعلام الأمريكية التي جندت طاقاتها للنيل من المملكة.
الواقع الذي لا يجب إغفاله أن تخبط الإدارة الأمريكية داخل أمريكا وخارجها تخبط غير مسبوق. سلوكهم تجاه المملكة نقطة في بحر الأخطاء والقرارات التي اقترفتها أجندات اليسار الحاكم هناك. دفعهم لرئيس أوكرانيا لمواجهة بوتين وتجنب المحادثات معه قبل الحرب أدخل أوروبا وأمريكا والعالم بأزمات لا يعلم مآلاتها أحد وتنذر بحروب كبرى مدمرة. حماسهم في الداخل الأمريكي لحقوق الأقليات على حساب حقوق الأكثرية فضلاً عن أنه انحياز مقرف وضد الفطرة البشرية، ينذر بحرب أهلية داخل أمريكا نفسها. تجاهلهم للفساد المتمثل بتعاملات ابن الرئيس المشبوهة مع الصين والتردد في فتح التحقيقات تغضب كل الشعب الأمريكي.
أخيراً لست متشائماً حول مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية لأن هذه العلاقات متجذرة بعروق عميقة والمصالح المشتركة لا يمكن أن يهزها معلق في محطة سي إن إن أو عضو في مجلس النواب قد لا يجد له مكاناً بعد أسبوعين. أنا على قناعة بأن ما حدث يعتبر أخطاء أمريكية في الأصل وسيتم تداركها وإصلاحها كما يتم إصلاح معدلات التضخم والجريمة وانتشار المخدرات وإعادة القيم الفطرية في المدارس الابتدائية وضبط آليات تصويت الناخبين في الداخل الأمريكي. الشعب الأمريكي الذي أصبح مطلعاً على كل ما يدور حوله بات مدركاً تماماً أن هذه العلل في الداخل الأمريكي وسياسات حكومته الخارجية هي من صنع حكومتهم ولا علاقة لأي دولة خارجية بذلك.
* نقلا عن “عكاظ“