غير مصنفة

مفاوضات غير متكافئة

صادق ناشر

تثار أسئلة حول الكيفية التي ستنتهي بها المفاوضات بين الأطراف السورية في جنيف قبل محطة سوتشي، التي تأجلت حتى شهر فبراير/شباط المقبل، خاصة أن الهوة لا تزال بعيدة بين النظام والمعارضة؛ إذ إن موقف النظام في جنيف بدا وكأنه غير مكترث بما يطرح من حلول، بالذات ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية، وطبيعة النظام السياسي الذي يجب أن تقوم عليه سوريا الجديدة بعد ست سنوات من حرب ضروس.
كان من الواضح أن النظام بتأخره عن حضور الجلسة الأولى للجولة الثامنة من «جنيف» الثلاثاء الماضي، أراد أن يبعث برسالة إلى المعارضة وإلى من يرعى المفاوضات، أنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيما يتعلق بالمفاوضات، رغم أن موعد عقد الجولة الثامنة كان باتفاق مع الأطراف كافة، بمن فيهم روسيا، التي تعد صاحبة مفتاح الأزمة في سوريا.
ينطلق النظام في موقفه من حقائق متجسدة على الأرض؛ حيث تسيطر قواته على معظم الأراضي السورية، ويريد أن يؤكد هذه الحقيقة على المستوى السياسي، بتجاهل الجلوس إلى طاولة واحدة مع المعارضة، التي لديها مطالب محددة ورؤية مختلفة عن رؤية النظام، تتعلق بدرجة أساسية حول هوية المرحلة الانتقالية، وأبرزها رحيل بشار الأسد، الأمر الذي يتعارض مع رؤية النظام، الذي صرح أحد مسؤوليه أن النظام لم يخض الحرب حتى يتنازل الأسد عن السلطة.
سيكون أمام المعارضة شوطاً طويلاً للحصول على مكاسب سياسية من النظام الذي يحاول قدر الإمكان التهرب من استحقاقات المرحلة المقبلة، التي تتوقف فيها المعارك بشكل كامل، فالحوار السياسي الذي يدور برعاية أممية، لن يحقق للمعارضة ما تريده، خاصة في ظل اختلال المعادلة العسكرية على الأرض، وكلما تأخر انطلاق المفاوضات المباشرة بين النظام والمعارضة، كلما اتسعت الفجوة بين مطالبهما، وصار التقريب بينهما صعب التحقيق، وقد تجد المعارضة نفسها في وضع غير القادر على الاستمرار في المفاوضات، إذا لم تقدم لها ضمانات حقيقية من الروس، الذين لا يبدو أنهم في وارد التخلي عن النظام أو الضغط عليه على الأقل لتقديم بعض التنازلات لإنجاز تسوية شاملة تمنح خصوم الأسد فرصة ليكونوا شركاء حقيقيين في أية تسوية تخص مستقبل سوريا.
في المقابل هناك غياب للولايات المتحدة عن مشهد الصراع في سوريا، فهي تبدو كمن ترك حل الملف لروسيا، التي تتحكم بإيقاع الأزمة خاصة خلال السنتين الأخيرتين عندما قررت أن ترمي بكل ثقلها في سوريا بتدخل عسكري كامل، تمكنت خلاله من تغيير مسار المعادلة في الصراع بين النظام والمعارضة.
ما لم تحصل عليه المعارضة من الحرب بالتأكيد لن تتمكن من الحصول عليه في المفاوضات السياسية الجارية، وفيما أخفق مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في جهوده لجمع الطرفين إلى طاولة حوار واحدة، فإنه استعاض عن المفاوضات المباشرة بالحوارات المتوازية للتوفيق بين الجانبين، اللذين أخفقا في التقاط اللحظة لوضع ملامح المرحلة المقبلة في بلد أضاعته صراعات أبنائه ودفعوا بسببها أثماناً باهظة.

sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى