مفهوم الابتكار
دايفيد ساكس*
زرت العام الماضي مكتبة سامشيونج العامة بالعاصمة الكورية الجنوبية سيؤول، ورأيت المستقبل متمثلاً أمامي، هذا المبنى الرائع وسط حديقة عامة يتميز ببساطته وروعة الكتب الموجودة فيه، ولكن هذا المكان هو انعكاس للتطور الهائل للمدينة التي تعتبر بين الأكثر حداثة في العالم. عرضت صور المكتبة على أحد الأصدقاء، والذي يعمل بإحدى المكتبات العامة في المدينة، وفاجأني بسؤال غريب:«أين الابتكار في هذا الأمر؟»، واتضح لي أنه يرى الابتكار من زاوية واحدة فقط، وهي التطور التقني.
إن التكنولوجيا التي ترتبط بالابتكار عند الكثيرين هي الطائرات بدون طيار وخدمات الفيديو الرقمية والطابعات ثلاثية الأبعاد، ولكن السؤال الذي دائماً ما يجول في خاطري، لماذا لا يمكن وصف الأمرين بالابتكارية؟
لطالما قيل لنا إن هذا الأمر يمثل دفعة قوية لاقتصاداتنا، ولكن المشكلة هنا أن العديد أصبحوا يربطون مفهوم الابتكار ويختزلونه في التطور التقني فحسب، بدون النظر إلى أفضل الأفكار التي أنتجتها البشرية على مر العصور.
معظم العقليات الموجودة حالياً تحصر الابتكار في اختراع أمر جديد، ولكنني أرى من منظوري الخاص أنه أكبر من ذلك بكثير، ويمكن دمج العديد من الأفكار الموجودة أصلاً مع بعضها البعض للخروج بمفهوم جديد، ويمكن وصفه ابتكاراً، ولكن الذهنية السائدة لا تعتبره كذلك، بل إن إنتاج أجهزة تعمل بتقنيات جديدة هي فقط من تستحق ذلك اللقب. الأمر في الحقيقة ليس كذلك، فغالبية ما تم اختراعه خلال السنوات الماضية من التقنيات الحديثة لا يمكن وصفها بتلك السمة، لأنها لم تعالج مسألة حيوية حقيقية يحتاجها البشر لتحسين حياتهم والنهوض بها.
هذا النهج المتبع في إلصاق صفة الابتكار بكل ما يتم إيجاده يمكن أن يكون مدمرا، فكثير منا لم يستفد حقيقة من معظم التقنيات الحديثة، فأنا شخصياً لا أعرف مثلا الكثير عن السماعات الحديثة ولا نظارات «جوجل» وتحديثاتها المتواصلة وتقنيات الفيديو الحديثة وغيرها، بسبب أنني أؤمن بتلك الحقيقة، وهي أن الابتكار هو إحداث تغيير فعلي إيجابي على البشرية، بما يحسن من مستوى حياتهم بشكل ملحوظ بدون التأثير في بشريتهم.
مفهوم الابتكار الحديث جاء بصحبة شركات التكنولوجيا العملاقة التي ترغب في إرضاء مستثمريها وعملائها على حد سواء من خلال إطلاق منتجات جديدة تطلق عليها تلك الصفة. الابتكار هو في الواقع عملية تحسين تدريجية متواصلة يجب على جميع المؤسسات والشركات تبنيها لتحقيق الغاية منها، وجعلها مرنة بما يمكنها من التغير وفقا للمعطيات الموجودة.
* واشنطن بوست