قضايا ودراسات

ممّا يعنّ على الخاطر

شيخة الجابري
يعنّ على الخاطر أحياناً أن تزور مكاناً ما، أو تقابل شخصاً بعينه، أوتستمع إلى قصيدة ما، أو أغنية بصوت فنان آخر غير الذي غنّاها في الأصل، وتروح معه تسبح في ذكريات تأخذك إلى البعيد من الزمن، القريب من الذاكرة تستدعي المواقف والوجوه وشكل الأشجار وألوان الورد وأطياف الطيور العابرة على حين ٍ خريفي يستقطع من وقتك الكثير من التأمل، ويمنحك المثير من البهجة وربما السعادة.

في اعتيادنا اليومي على استفزاز الذاكرة حين ذات لحظة نشعر بالغربة الوقتية في موقف يكاد يلقي بنا خارج المساحة الزمنية التي نعيش، نوقد شموع الذاكرة نروح وبسرعة تشبه سرعة الضوء في مساراته إلى أقرب لقاء جمعنا بصديق أو قريب يكون أو كان ذات يوم أحد الذين سكنوا الوجدان وغادرونا في خفة طائر نحو الفضاء، نستعيد الأحاديث واللحظات المُبكّرة من الفرح الذي صغناه معهم في أماكن عديدة جمعتنا ثم مضت إلى غيرنا ممن يحلمون بالنجوم ويطوفون بالسماء.
نحن نملك مخزوناً هائلاً من الذكريات المعجونة بالمشاعر، المشحونة بالعواطف، الغارقة في الوجع، الذاهبة نحو الأمان، النافرة من الحقائق، الرافضة للمواقف التي لا تعنيها، أو التي تذكرها بعيوبها، بسلبياتها، بمواقفها تجاه الآخر، بطبيعتها البشرية وسلوكها الإنساني المُتراوح بين تصرفات وقناعات، المُتزاوج مع رضى وتوافق نفسي بأنهم على صواب، وسواهم المخطئ الأشر.
حينما نؤوب إلى الذاكرة تستقبلنا بأناقة زمنية رفيعة، تفرح بنا، تعرف أننا في وقت، في زمن ما سنحتاجها لذا ندعو الله كثيراً في سجودنا وصلاتنا ألا تغادرنا الذاكرة فنُصبح منبتّين لا نملك أرشيفنا الزمني والشخصي، الأرشيف الذي يحتفظ بما نحتاجه من سكينة ودفء، وارتياح حين يأخذ بأيدينا ليفتح ملفاته المزدحمة بنا كثيراً، كثيراً.
إننا نسترق الوقت لنأخذ جولة في مدن طفناها، سافرنا إليها واعتدناها، نحفظ شوارعها، وأزقتها، ودكاكينها، وأسواقها الصغيرة والكبيرة، تلك المدن لم نذهب إليها وحدنا وإنما معنا ذاكرات متعددة كل منها يحتفظ في أرشيفه ربما بذات المواقف أو غيرها، كل واحد منّا لديه ما يودّ الاحتفاظ به واسترجاعه، من رحلات البرّ إلى شوارع لندن وباريس وأمريكا وغيرها، ولكل من تلك ذاكرة خاصة تعنّ على الخاطر.
Qasaed21@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى