منبه أممي للعدالة
د. حسن مدن
احتفل العالم في العشرين من فبراير/ شباط الجاري ب «اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية»، وهو أحد الأيام التي اختارتها هيئة الأمم المتحدة، على جري عادتها، لتسليط الضوء على قضايا جوهرية تعني البشرية في عالم اليوم.
واستوقفني تعبير دال في وصف هذا اليوم بأنه بمثابة «منبه أممي»، لصناع القرار وواضعي السياسات في العالم بصفة شاملة، وعلى مستوى كل بلد على حدة، للالتفات إلى هذه القضية عبر سياسات وتدابير تحقق العدالة في توزيع الثروات، وتضييق الهوات الشاسعة بين الغنى الفاحش الناتج عن تركز الثروات في أيدي حفن صغيرة، والفقر واسع النطاق على مستوى العالم، حيث تذهب بعض الإحصائيات للقول إن خمسة في المئة فقط من سكان الكوكب يستحوذون على ما لا يملكه خمسة وتسعون بالمئة من هؤلاء السكان.
الأمم المتحدة اختارت أن يكون موضوع اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية هذه السنة هو «تنقل العمال طلباً للعدالة الاجتماعية»، ملاحظة أن معظم حركات الهجرة في العصر الراهن ترتبط ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر بقضية البحث عن فرص العمل اللائق. وحتى لو لم يكن العمل هو المحرك الرئيسي، فإنه عادة ما يكون من الدوافع في مسألة الهجرة.
وتشير منظمة العمل الدولية أن هناك 150 ألف عامل مهاجر على الأقل، 56 في المئة منهم رجال و44 في المئة نساء. ونسبة 4.4 في المئة من إجمالي عدد العمال هي من العمال المهاجرين، الذين يتمتعون بمشاركة أكبر في سوق العمل من العمال غير المهاجرين (73 في المئة و64 في المئة على التوالي).
وبعيداً عن الموضوع الذي اختارته المنظمة الدولية لهذا العام، فإن مسألة العدالة الاجتماعية تعنينا في العالم العربي بصفة خاصة، من زاوية العلاقة الجدلية بينها وبين الاستقرار السياسي والمجتمعي، ناهيك عن الأمني بطبيعة الحال، حيث تعد منطقتنا في الظرف الراهن من أكثر مناطق العالم فوضى وعدم استقرار، فنشهد انهيار دول ذات سيادة كانت لها مكانة وتأثير قبل سنوات قليلة فقط، وإذا بها تتحول إلى ساحات حرب وقتل على أيدي ميليشيات منفلتة، مذهبية وطائفية وعرقية، قوامها أفراد معبأون بالتشدد والتطرف والفكر الظلامي وكراهية الآخر.
ودون أي تقليل من تأثير التدخلات الخارجية الدولية والإقليمية في تسعير الحروب والفتن في دولنا العربية، علينا الإقرار بأن الصاعق الذي فجّر الأوضاع في الكثير من هذه البلدان إنما يعود إلى استشراء الفساد وسوء الأوضاع المعيشية لقطاعات واسعة من المواطنين لم تنل حصتها العادلة من الثروات التي تزخر بها بعض البلدان المبتلاة اليوم بالحروب والصراعات.
ولا يشير ما هو ظاهر من معطيات أنه جرى الاتعاظ من ذلك، فعسى هذا «المنبه الأممي» ينبه إلى خطورة الإمعان في تجاهل الدروس القاسية التي عصفت بنا.
madanbahrain@gmail.com