من أجل ماذا يموت جنود أمريكا ؟
جاكوب هورنبرجر *
في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، قتل الرائد في الجيش الأمريكي برانت تايلور في أفغانستان، حيث تواصل الولايات المتحدة، الحرب التي بدأتها قبل 17 سنة.
قتل الرائد تايلور بينما كان يقوم بتدريب قوة أمنية أفغانية، حين وجه أحد أفراد القوة سلاحه نحوه وأطلق النار عليه.
غير أن تايلور لم يكن جندياً ( متقاعداً ) فحسب، إذ كان أيضاً العمدة المنتخب لبلدة نورث أوجدن في ولاية يوتا الأمريكية. وهو كان عنصراً في الحرس الوطني ( قوة عسكرية احتياطية )، وقد تخلى عن منصب العمدة لكي يتطوع من أجل القتال في أفغانستان للمرة الرابعة. وبموته، ترك زوجة وسبعة أبناء تتراوح أعمارهم بين 11 شهراً و13 سنة.
ولم يكن مما يدعو للدهشة، أن مسؤولي القوات الأمريكية التي تقاتل في أفغانستان قد أصدروا بياناً معتاداً في مثل هذه الظروف جاء فيه أن تايلور مات في سبيل الله، والعائلة، والوطن.
غير أن الحقيقة هي أن تايلور لم يمت من أجل الله والعائلة والوطن، وإنما من أجل الإمبراطورية الأمريكية في تدخلاتها العسكرية عبر العالم – وهي تدخلات لا صلة لها بالله والعائلة والوطن. وبيان مسؤولي القوات الأمريكية في أفغانستان، هو مجرد محاولة يائسة لإعطاء معنى، لموت هذا الرجل، ما يدل على أنهم أقنعوا أنفسهم بأنهم يؤمنون بحقيقة أن تايلور مات من أجل الله والعائلة والوطن، وليس من أجل الإمبراطورية وتدخلاتها العسكرية.
وهناك أمر يثير الاهتمام، هو أنه قبل موت تايلور، كانت زوجته قد قالت في مقابلة مع صحيفة محلية: «دائما ما أمازح برانت وأقول له إنه إما شخص أسطوري، وإما شخص مجنون. وفي قرارة نفسي، أؤمن بأنه شخص أسطوري».
ولكن هناك في الواقع احتمال ثالث، يبدو أنه لم يخطر على بال السيدة تايلور، وهو أن زوجها كان ببساطة ساذجاً. فمن الواضح تماماً أن تايلور، مثله مثل كثيرين جداً من الأمريكيين، صدّقوا مقولة الإمبراطورية القائلة بأن التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج تهدف إلى ضمان الأمن القومي. وتعكس كلمة نشرها تايلور عبر «فيسبوك» تفكيره، إذ قال فيها: «هناك ثلاثة ولاءات عظيمة وجهت حياتي وكل ما فيها: الولاء لله، والعائلة، والوطن».
هذه طبعاً هي مقولة دولة الأمن القومي الأمريكية التي لقنتها للأمريكيين، خصوصاً العسكريين منهم – وهي المقولة القائلة بأن الجنود الأمريكيين الذين يقتلون آخرين ويموتون في حروب أمريكا وتدخلاتها الخارجية، إنما يفعلون ذلك في سبيل الله، والعائلة، والوطن.
المشكلة هي أن هذا محض زيف. فما من جندي أمريكي قتل أناساً أو مات وهو يحارب في أفغانستان – وأيضاً في العراق، وسوريا، وفيتنام، وبنما، وكوريا… إلخ – فعل ذلك في سبيل الله والعائلة والوطن.
يكفي أن نشير إلى أن أيّاً من تلك البلدان لم يحاول غزو بلدنا، بل إن الجيش الأمريكي، ومعه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه»، هو الذي غزا أو تدخل في شؤون تلك البلدان.
وفي الواقع، الحكومة الاتحادية الأمريكية كانت قد تحولت إلى دولة أمن قومي منذ الحرب العالمية الثانية، ما أوجد مؤسسة عسكرية ضخمة أطلق عليها الرئيس ( الأمريكي الراحل ) أيزنهاور اسم «المجمع العسكري – الصناعي». وإحدى ركائز دولة الأمن القومي هي وكالة الاستخبارات «سي آي إيه»، التي تتمتع بسلطة اعتقال أناس، بمن فيهم أمريكيون، إلى أجل غير مسمى، وإخضاعهم للتعذيب، وأيضاً سلطة اغتيال أناس، بمن فيهم أمريكيون. وقد حذر أيزنهاور الأمريكيين من أن حكومة مثل هذه تشكل تهديداً خطيراً لحرياتهم وديمقراطيتهم.
غير أن ال «سي آي إيه»، والبنتاجون ( وزارة الدفاع )، ووكالة الأمن القومي، كانت بمنتهى الفعالية في دعايتها، وفي تلقين الأمريكيين كل ما تريده أن يؤمنوا به.
وللأسف، الرائد تايلور لن يكون آخر جندي أمريكي يُقتل في أفغانستان، أو في أماكن أخرى. سوف يُقتل آخرون، وسوف تكون هناك دائماً أكاذيب بشأن من أجل ماذا ماتوا.
لقد ماتوا من أجل الإمبراطورية ودولة الأمن القومي، وليس في سبيل الله والعائلة والوطن.
* أكاديمي ومعلق سياسي أمريكي أسس ويترأس
موقع «مؤسسة مستقبل الحرية» (www.fff.org)