مقالات عامة

من أمن العقاب أساء الأدب

محمد إبراهيم

نُسلّم جميعاً بأن المدارس منابر العلم والمعرفة، ومصانع إنتاج العلماء والعباقرة، وفيها تضاء مشاعل النور، وبها نطفئ ظلمة الجهل والأمية، ولها قداستها، واحترام حرمتها واجبٌ على كل فئات المجتمع كبيراً وصغيراً، تقديراً لدورها في تعليم وتربية وتقويم وتثقيف الأبناء، وإعداد أجيال المستقبل.
ولكن جاءت واقعة حريق إحدى المدارس النموذجية الثانوية، مرتين في أسبوع واحد «الأحد والثلاثاء» الماضيين، وإتلاف مرافقها منذ شهرين تقريباً وتصوير ملابساتها بالصوت والصورة، لتفسد كل المعاني الجميلة التي تجسد عظمة كلمة «مدرسة»، لاسيما أن أصابع الاتهام في الواقعتين تشير إلى مجموعة من الطلبة، أمّا الإتلاف فكان من نصيب مجموعة أخرى أيضاً من المدرسة ذاتها، ودفع أولياء أمورهم الثمن، وسددوا قيمة الخسائر التي تسبب فيها أبناؤهم.
في الواقع تاهت مداركي مع تلك الواقعة التي حملت تفاصيلها مأساة حقيقية، وفتحت عدداً من التساؤلات، حول الجاني الحقيقي لوجود تلك السلوكيات السلبية في المجتمع الطلابي، التي لم نعتَدْ عليها في مدارسنا، فهل وراءها إدارة مدرسية ضعيفة لم تنجح في تقويم طلابها بالشكل الصحيح؟ أم السبب يعود لدلال الأهل المبالغ فيه، حيث قاد أبناءهم من مجرد سلوك غير مقبول إلى جرائم يعاقب عليها القانون؟.
لا نستطيع أن نستثني «لائحة السلوك» الطلابي من تلك الأسباب، لاسيما أن عقاب الطلبة في واقعة إتلاف مرافق المدرسة، لم يكن رادعاً بالشكل المطلوب، فجاءت واقعتا الحريق في المدرسة ذاتها، لنجد الطلبة مجدداً في قفص الاتهام، وصدق القول: «مَنْ أمِنَ العِقابَ أساء الأدب».
وهنا لابد لنا من وقفة مع أنفسنا، لنتعرف إلى الخلل الحقيقي، فالمصارحة والشفافية أمر إلزامي، والعمل على سرعة العلاج حتمية لابد منها، إذ إن الجاني «فئة» من جيل المستقبل، والأضرار أصابت مقدسات العلم، والمخاطر تهدد الأرواح والممتلكات، وهذه السلوكيات لا ترتقي برسالة العلم، ولا تليق بقداسة المدرسة، ولا يقبلها المجتمع.
أعتقد أننا في حاجة إلى إعادة النظر في بعض نصوص لائحة السلوك الطلابي، التي حملت معها قيود على إدارات المدارس والمعلمين، فاستغلها الطلبة في إفساد البيئة المدرسية، وبث سموم السلوكيات السلبية غير المشروعة، وبعض الإدارات المدرسية تحتاج إلى القدرة على الحزم، والكفاءة في التعامل مع الطلبة، وعلى أولياء الأمور تغيير ثقافة «الدلال»؛ فالبعض منهم لم يدرك بعد، المخاطر التي تفرزها سلوكيات أبنائهم بسبب هذا «الدلال»، ونعلم أنه من فتح باب مدرسة، أغلق باب سجن.

Moh.ibrahim71@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى