قضايا ودراسات

من حمورابي إلى حموبيكا

عبداللطيف الزبيدي

كيف ستكون صورة التراث العربي بعد خمسين سنة؟ سيكون الواقع الافتراضي قد اجتاح حياة البشر، ولم يبق غير أن ينام الآدميّ على فراش افتراضي. لكن، من الممكن أن تمسي غرفة النوم وأثاثها من إنتاج الطباعة الثلاثية الأبعاد.
لا يزال القلم متمسكاً بأن زخرف الكتابة ليس سوى تقنيات موسيقية، فكل ما أفرزته الفنون البلاغيّة لعب بالأصوات، لأن اللغة مخارج أصوات. ماذا لو قلت لمؤلف موسيقي: هات قطعة لا تناغمات فيها ولا توافقات. جمال اللغة ليس جمع الفعل والفاعل والمفعول. ممّن يمكن أن نتعلم الإحساس بجمال اللغة إذا أردنا القراءة أو رمنا الكتابة؟ هي ذي أهمّية التراث. تخيّل الكارثة لو استيقظت البشرية وفوجئت بأن ميراث الإنسانية بجميع اللغات قد تبخّر.
لولا قانون حمورابي، لكان تاريخ ظهور القوانين مختلفاً. الجناس بليغ، فبعد تراثنا الموسيقي، وهبتنا المقادير حموبيكا، بعد رزئنا في أساطين موسيقانا. ما ألأم أذواقنا، فحين كانت القمم «زيّ الرّز» كنا لا نحمد الرزّاق، كنّا نراهم أقلّ ممّا تستحقه أمّة لها حضارات سادت ثم بادت، كنّا نقارنهم بخمسة وعشرين ألف مؤلف في الموسيقى السيمفونية فقط، من بينهم 2500 مؤلف موسيقي للأوبرا. اليوم صار المرء يسأل هواة المهملات المحسوبة على الفن، ليعرف من هم فنانو الأمّة.
من سيكترث لرسالة الغفران وحماسة أبي تمام بعد نصف قرن؟ هذا حلم بعيد، فكيف ستجد القصائد السنباطية الكلثومية طريقها إلى الآذان سنة 2068؟ إذا تمادت المناهج العربية في غيّها الانحداري، فالمستقبل سيكون عدميّاً، لأننا أمام مسار تاريخيّ غريب، فمستوى الإلمام باللغة في انحدار مريب، والإحجام عن اللحاق بالعصر عبر امتلاك العلوم والتقانة مرعب. في المقابل إفراط في التظاهر بالتماهي في العصر. صار الفني يظن أن الفساتين والبدل اللامعة هي التي تبدع الفن: «الفنانة كسّرت الدنيا بفستان من….».
لزوم ما يلزم: النتيجة الأسفية: عدم البناء على العناصر الحيّة في التراث، يجعلك تبني على الهواء. ما قبل دقيقة تراث أيضاً.

abuzzabaed@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى