من يغفر لنوبل؟

صادق ناشر
بعض حائزي جائزة نوبل للسلام يسيئون إليها أكثر مما يضيفون إليها مجداً جديداً، وخاصة السياسيين منهم، إذ لا تجد سياسياً حصل على «نوبل» إلا ولطخها بالكثير من المواقف السياسية، التي تتمنى لو أن نوبل قام من قبره وسحبها منه، أو ألغى جائزته بأكملها، لأن الجائزة تحولت مع الأسف إلى أسوأ من الديناميت الذي اخترعه، حسب وصف الأديب الشهير جورج برناردشو، الذي رفض استلام الجائزة عام 1925، وأطلق يومها مقولته المعروفة «إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل».
والحال نفسها حدثت مع الفيلسوف الفرنسي المعروف جان بول سارتر الذي منح عام 1964 جائزة نوبل في الآداب، فقد كان سارتر ضد المؤسسة التي أنشأها نوبل تكفيراً عن اختراعه لمادة الديناميت التي دمرت نصف العالم وجاري تدمير نصفه الآخر، ولم تفلح الجائزة التي خصصها للسلام في جلب السلام، حيث صارت الجائزة، كما قال برناردشو فعلاً، أسوأ من الديناميت نفسه.
بالنظر إلى الحاصلين على جائزة نوبل للسلام، هناك الكثير منهم لا يستحق حملها، فالجرائم التي ارتكبها هؤلاء في حياتهم تصبح عاراً عليهم وعلى الجائزة في آن معاً، فقاتل مثل اسحق رابين وشمعون بيريز وهما اثنان من حاملي الجائزة مشاركة مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ارتكبا الكثير من الجرائم قبل استلام الجائزة وبعدها، لدرجة تجر معها الخزي والعار.
وبعض الحاصلين على الجائزة شنوا حروباً أو أججوا نيرانها بعد الفوز بها، كما حصل مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الأسبق مناحيم بيجن، الذي تقاسم الجائزة مع الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1978، بعدما أمر بيجن بغزو لبنان عام 1982 بعد أربع سنوات من نيله الجائزة.
ومؤخراً انضمت رئيسة وزراء ميانمار أونج سان سو كي، التي حصلت على الجائزة عام 1991 عندما كانت زعيمة للمعارضة، إلى قائمة من لوثوا بأفعالهم المبادئ المعلنة للجائزة، حيث ساهمت في جرائم قتل جماعية واغتصاب وحرق للأقلية المسلمة في ولاية راخين في ميانمار.
من الواضح أن جائزة نوبل لم تعد تحمل معاني سامية لدى الكثيرين، فأهدافها داست عليها القرارات السياسية المرتبطة باللوبيات العالمية أكثر من الإنجازات الفعلية للحاصلين عليها، لذا نجد أن البعد السياسي هو الطاغي، وأهدافها المعلنة لا تتوفر في الكثير من الحاصلين عليها في السنوات الأخيرة، لأنهم تحولوا مع مرور الوقت إلى مسعري حروب وأزمات وفتن داخلية.
ربما لهذا السبب نجد الحاصلين على «نوبل السياسية» أسوأ ممن حصلوا عليها في الأدب والعلم، لأن الكثير من الحاصلين عليها من الناشطين السياسيين والمعارضين للأنظمة لم يحصلوا عليها لكفاءة، بل لحسابات أخرى خارج المنطق، بل هناك من يشير إلى حد أن دولاً بعينها اشترت «نوبل» ليكون أصحابها واجهات للخراب والدمار وليس لصنع السلام، لهذا يبرز تساؤل منطقي وهو: هل يمكن للعالم أن يغفر لنوبل بعدما تيقن أن جائزته للسلام أسوأ من الديناميت الذي اخترعه؟.
Sadeqnasher8@gmail.com