موريتانيا والتحولات السياسية
علي قباجه
من بلد المليون شاعر إلى بلد ما يزيد على المليون ناخب، تدخل نواكشوط معترك الحياة السياسية بحلة جديدة؛ حيث إنها ورغم ما شابها من تظاهرات، إلا أنها استطاعت أن تستوعب المشهد السياسي استيعاباً نأى بها عن دخول ما يُسمى ب«الربيع العربي» إلى ديارها، حيث استفادت من دروس الدول العربية الأخرى؛ وذلك حينما توجه الحزب الحاكم تجاه أحزاب المعارضة، ماداً لها يد المصالحة، معلناً عن انتخابات بمُسميات جديدة على الحياة السياسية الموريتانية، وذلك بعد حل مجلس الشيوخ، الذي لم تعد هنالك أي فائدة لوجوده، لتأتي المجالس الجهوية لأول مرة فتحل مكانه، محققة فائدة أكبر لثلاث عشرة ولاية تتوزع على المساحة الجغرافية للبلد الإفريقي المترامي الأطراف، منتشلة إياها من المركزية، لتستقل كل ولاية بما يخدم مصالحها من بنى تحتية وتنظيمية.. وهو ما سيؤدي إلى النهوض بالواقع الموريتاني من جهات عدة سياسية واقتصادية..
الانتخابات الموريتانية استطاعت أن تحقق السبق، لا سيما أنها أتت بعد تعافي البلاد من الاحتجاجات التي خاضتها المعارضة إثر نزولها إلى الشوارع، حيث إنها كادت أن تؤدي إلى انزلاق البلاد في أتون أزمة لا تُحمد عقباها، إلا أن الأمور ما لبثت أن عادت إلى نصابها في ظل ثقافة عصرية وحضارية يتمتع بها الشعب الموريتاني، وهو ما تجلى في الانتخابات الأخيرة، التي شاركت فيها أحزاب عدة ربت على 98 حزباً، من أصل 102 رُخص لها بالعمل، وهو ما يمثل مشاركة كبيرة.
ورغم الاعتراضات والانتقادات التي وجهت للانتخابات، إلا أنها سارت بخطى حثيثة، وبشكل ديمقراطي، ولعل من أهم أسباب تلك المشاركة المنقطعة النظير، دخول أحزاب المعارضة في تحالفات؛ بغية اكتساح الحياة السياسية في أكثر من جانب، كما حدث مع أحزاب؛ مثل: «حزب الصواب» وحركة «إيرا»، و«التحالف من أجل التناوب الديمقراطي».
واتبعت الحكومة سياسة العصا والجزرة في هذه الانتخابات، فهي من جهة حشدت لها وسائل إعلامية عدة، لتواكب المشهد الانتخابي من ألفه إلى يائه، ومن جهة أخرى هددت أحزاب المعارضة بحلها، إن هي امتنعت عن المشاركة؛ لأنها تكون بذلك امتنعت عن المشاركة في مناسبتين انتخابيتين على التوالي، وهو ما يعطي الحكومة ذريعة لحل تلك الأحزاب.
يظل المشهد في نواكشوط متأرجحاً إلى حين ترتيب البيت الداخلي الموريتاني، إلا أن الحزب الحاكم هناك (حزب الاتحاد من أجل الجمهورية)، يأمل السيطرة على جميع المقاعد، وهو ما مهد له بانفتاح داخلي على المعارضة، وخارجي؛ إثر استضافة قمتي الدول العربية والقمة الحادية والثلاثين للاتحاد الإفريقي، إلى جانب انفتاحه على جيرانه، بعد أن رفع تمثيله مع المغرب، وفتح معبراً حدودياً مع الجزائر، في محاولة منه لاستقبال المرحلة الانتخابية الرئاسية، التي ستجرى في منتصف 2019 بعزيمة قوية، فهل ستدخل موريتانيا مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي بعد كل تلك التطورات؟
aliqabajah@gmail.com