ميليشيات ليبيا وإنتاج العنف

فتح العليم الفكي
عادت إلى واجهة الأحداث مجدداً في ليبيا قضية الإعدامات خارج نطاق المحاكم، وتفجير السيارات المفخخة والانتهاكات البشعة لحقوق المهاجرين الأفارقة وتعذيبهم بشكل يأباه الضمير الإنساني وتشمئز منه النفوس السوية، علاوة على المحاولات الدنيئة لسبي النساء واستعباد الرجال وبيعهم بأثمان بخسة.
والأسبوع الماضي شهد الكشف عن عملية تعذيب لا إنسانية كان مسرحها منطقة تاجوراء وطالت سبعة من المهاجرين السودانيين تم تعذيبهم ببشاعة وامتهنت كرامتهم، إذ تم تجريدهم من ملابسهم وإحراق أجسادهم العارية بالنيران، وقام الخاطفون-الذين طلبوا منهم عدم الصراخ أو التأوه – بتصويرهم وهم على تلك الحالة وقاموا بإرسال هذه الصور إلى ذويهم في إقليم دارفور السوداني وطلبوا مبالغ ضخمة كفدية للإفراج عنهم.
لقد شكلت عملية تعذيب هؤلاء المهاجرين صدمة كبيرة في السودان وفي عموم شعوب القارة الإفريقية وأدان الاتحاد الإفريقي العملية وطالب الحكومة الليبية بفتح تحقيق عاجل وبسرعة ضبط الجناة وتقديمهم للمحاكمة.
وتزامنت عملية تعذيب المهاجرين، مع تفجيرين انتحاريين طالا المصلين في مسجد بيعة الرضوان في مدينة بنغازي وحصدا عشرات الأرواح البريئة، كما تزامنت أيضاً مع عمليتي إعدام خارج نطاق المحاكمات في درنة وفي بنغازي نفذتهما جماعات الإسلام السياسي.
لقد اختارت الميليشيات الإرهابية التي نفذت هذه العمليات هذا التوقيت بالذات لإفشال الحراك السياسي الذي تشهده الساحة الليبية هذه الأيام ولقطع الطريق أمام المناقشات التي تجري على نطاق واسع بين مختلف الفصائل والكيانات السياسية الليبية حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية المزمع إجراؤها خلال هذا العام حيث يدور النقاش الآن حول أيهما يسبق الآخر إقرار الدستور أم قيام الانتخابات.
وكانت الأطراف الليبية كافة قد أبدت مرونة وتحمساً لخريطة الطريق التي وضعها مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة والتي ركزت على تعديل اتفاق الصخيرات وإقرار دستور دائم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لإخراج ليبيا من دائرة الاحتراب.
ولأن هذه الميليشيات تعلم علم اليقين أنها ليست ذات حجم أو وزن جماهيري في الشارع الليبي يمكن أن يحملها إلى مقاعد البرلمان أو إلى سدة الحكم، لذلك فإنها تعمل على عرقلة قيام أي انتخابات نزيهة لأنها ستخرجها تماماً من المشهد والمعادلة السياسية وتضعها بلا شك أمام المحاسبة على ما اقترفته من جرائم في حق الليبيين.
لقد ظلت هذه الميليشيات الإرهابية التي تنتشر في مناطق غرب ليبيا ولسنوات خلت تقف عائقاً أمام أي سانحة للوفاق بين الليبيين منذ ثورة فبراير/ شباط 2011.
ولقد آن الأوان أن يقف الليبيون وقفة رجل واحد في وجه هذه الميليشيات التي لا تريد لهم ولا لبلادهم خيراً، بل تريد أن تبقيهم أسرى للفوضى والعنف والخوف، لتعربد هي وحدها في الساحة.
alzahraapress@yahoo.com