ميميّة البوصيري
يوسف أبو لوز
استمد «مهرجان البردة» الذي انطلق أمس بأبوظبي، في دورته الأولى، اسمه من قصيدة المديح النبوي الشهيرة «البردة» للإمام شرف الدين محمد بن سعيد بن حمّاد الصنهاجي البوصيري (1213-1295). وكما هو معروف، فإن وراء هذه القصيدة قصة تختصر في أن البوصيري كان مريضاً بالفالج، كما قال هو في سبب كتابة هذه القصيدة، فرأى في منامه أن الرسول عليه الصلاة والسلام يخلع عليه بردته، فصحا من نومه، وقد زال عنه مرضه.
قبْل البوصيري، لكعب بن زهير قصيدة معروفة في مدح الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ومطلعها: باتت سُعاد قلبي اليوم متبول ../.. متيمٌ إثرها لم يُفد مكبولُ. ويذكر أن الرسول طرب لهذه القصيدة التي ألقاها زهير بين يديه، فخلع بردته عليه.
قصيدة البردة تتألف من 167 بيتاً «على البحر البسيط»، بقافية ميمية تحوّلت لشهرتها الواسعة إلى إنشاد ديني بين ملايين المسلمين، وبذلك غطّت على شهرة قصيدة كعب بن زهير، كما غطت على غالبية شعر المديح النبوي، فضلاً على استقطاب بردة البوصيري لشعراء كتبوا قصائد مجاراة للبردة، يأتي على رأسهم أحمد شوقي الذي كتب «نهج البردة» على البحر البسيط أيضاً، وبقافية ميمية، ومطلعها:
ريم على القاع بين البان والعلم../.. أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم. وجاءت قصيدة شوقي في 191 بيتاً.
البعض يصف قصيدة شوقي بأنها معارضة لبردة البوصيري، وفي وجهة نظري هي ليست معارضة مطلقاً، وكيف لشوقي أن يعارض قصيدة في مدح الرسول عليه السلام؟، إنما يمكن القول إن ميمية شوقي هي مجاراة لميمية البوصيري، ومن وجهة نظر ثانية اجتهادية هذه المرة؛ يمكن القول إن قصيدة شوقي هي «مناهجة» لقصيدة البوصيري؛ أي جاءت على نهجها، ولذلك سمّاها «نهج البردة».
جائزة البردة وعبر 15 دورة سابقة، كرّست ثقافة قصيدة «البردة» للبوصيري بأطيافها الروحانية القرآنية والصّوفية، ويأتي مهرجان «البردة» منذ دورته الأولى في أبوظبي ليضع على رأس أجنداته الثقافية، الاهتمام المباشر بالفن الإسلامي حاضره ومستقبله، وفي هذه الدورة الأولى من المهرجان وعند معاينة النخب المشاركة فيه، وبرنامج عمله، يتضح حجم الاهتمام الأصيل بالفن الإسلامي وموضوعاته التي تداولها كتّاب ومسؤولون متخصصون، مثل: كيف تطور المؤسسات الثقافية عملها في مجال الفن الإسلامي؟ وذلك في عصر الثقافة الرقمية، ثم التحديات التي من الممكن أن تواجه ترميم المواقع الثقافية الإسلامية، ثم الإضاءة على موضوع العمارة الإسلامية، وغير ذلك من موضوعات تقع في صميم الفن الإسلامي وثقافته ومحليّته، ثم عالميته في آن واحد.
yabolouz@gmail.com