«ميونيخ» والأمن العالمي
يونس السيد
رهانات كثيرة صاحبت مؤتمر الأمن في ميونيخ الألمانية، الذي انعقد في ظروف استثنائية وتحديات أمنية خطرة في الساحتين الإقليمية والعالمية، حملت معها مخاوف جدية من إمكانية الصدام بين الشرق والغرب في أكثر من مكان وعلى أكثر من صعيد، ووسط مؤشرات بصعوبة، إن لم يكن باستحالة اتخاذ قرارات حاسمة أو عقد اتفاقيات عالمية من شأنها التأثير في مجريات الأحداث.
في الحديث عن هذا المؤتمر الذي يعتبر الأهم من نوعه في العالم، وتميز بحضور كثيف للقادة السياسيين والعسكريين و«النخب الأمنية»، لا بد من القول إنه لا يملك عصا سحرية لحل مشكلات العالم المستعصية، لكنه يضع انعدام الأمن في العالم تحت المجهر وعلى طاولة النقاش، بدءاً من مشكلات الشرق الأوسط، بما في ذلك الإرهاب والأزمة السورية وإيران والتسوية الفلسطينية – «الإسرائيلية» ، والعلاقات الأطلسية، إلى جانب أزمتي أوكرانيا وكوريا الشمالية والعلاقة بين روسيا والغرب وعودة الصين القوية إلى الساحة الدولية، علاوة على التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي.
صحيح أن المؤتمر لا يمكنه اتخاذ قرارات ملزمة، لكن أهميته تكمن في الكشف عن العيوب والثغرات في العلاقات الدولية، ووضع الحقائق أمام الجميع وجهاً لوجه. إذ لماذا، على سبيل المثال، يخفق الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على أمن دوله؟ وكيف يمكنهم مواجهة هذا التحدي بمعزل عن الولايات المتحدة، التي تنسحب من دورها القيادي في ضمان الأمن العالمي وتلتزم سياسة أحادية الجانب في ظل إدارة ترامب، وباتت تضع قواعد خاصة لتشكيل علاقات دولية جديدة، بحسب التقرير الذي قدّم للمؤتمر، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما قالته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عقب زيارة ترامب لألمانيا، إن «الأيام التي استطعنا فيها الاعتماد كلياً على الآخرين ولّت إلى غير رجعة… يجب الآن على الأوروبيين أخذ مصيرهم بأيديهم». ولماذا أيضا يخفق الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية، خصوصاً في الشرق الأوسط، ومناطق الأزمات، وفي المقدمة سوريا، مع أنه الشريك التجاري الأكثر أهمية للعديد من البلدان؟ وفي هذا يشير رئيس المؤتمر فولفغانغ إشينغر إلى عدم وجود استراتيجية أوروبية موحدة، إذ إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يتصرفون بصورة منفردة، كل وفق أجندته الخاصة ومصلحة بلده، وبالتالي بات من الضروري إدخال إصلاحات على الاتحاد الأوروبي.
كثيرة هي القضايا التي ناقشها مؤتمر الأمن في ميونيخ، لكن السؤال ما إذا كان المؤتمر قد نجح في قرع جرس الإنذار بأن الأمن العالمي كله في خطر، وأن درء هذا الخطر يحتاج إلى تضافر كل الجهود العالمية.
younis 898@yahoo.com