نتنياهو ومعركة البقاء قبل السجن
حافظ البرغوثي
كان اسحق رابين يقول «سنقاتل كأننا في حالة حرب، ونفاوض كأننا في حالة سلام»، كان هذا شعاره في زمن المفاوضات مع ياسر عرفات، وعندما بدا مصمماً على إنجاز تسوية سياسية تم اغتياله على يد متطرف يهودي، كأن المتطرف عمل وحيداً من دون تخطيط مسبق، أو أوامر من أحد، وهذا لا يطابق نوعية الاغتيال باعتبار انه اغتيال سياسي جاء بعد حملة تحريضية، وتهديدات بالقتل، شارك فيها ارييل شارون، وبنيامين نتنياهو، وزعماء اليمين الاستيطاني. طويت صفحة رابين.. وعندما سئل ياسر عرفات عن الأمر قال إن المجلس الملي اليهودي هو من أمر بالاغتيال ليمنع السلام وقيام دولة فلسطينية.
بنيامين نتنياهو تسلح منذ البدء بالاستيطان، وتوسيعه، والتنكر لحل الدولتين، ولم يطرح أي بديل لا دولة ثنائية القومية، ولا دولة فلسطينية، وظل يراوغ بهدف القفز على القضية الفلسطينية، وتفتيتها، وتصديرها إلى الجوار العربي كقضية عربية- عربية لا دخل للاحتلال فيها، وهدفه تكريس الاحتلال على اكبر مساحة من الضفة، والتخلص من نسبة أرض قليلة مع اكبر عدد من السكان. ومع أن ملفات الفساد ضده كانت معروفة، وتمت إثارتها في الإعلام منذ سنوات، إلا أن هناك من كان يمنع التحقيق فيها، وجرت محاولات كثيرة لطمسها، والاستخفاف بها، وخرج من يكتب في صحيفة «إسرائيل اليوم» التي أسسها الملياردير اليهودي ادلسون، صديق الرئيس ترامب، وحليف نتنياهو في التطرف ودعم الاستيطان، أن إنجازات نتنياهو الاقتصادية والسياسية لا تقارن بزجاجة شمبانيا وسيجار، في إشارة إلى الهدايا التي كان يطلبها نتنياهو وزوجته من كبار الأثرياء. لكن يبدو أن مشروع نتنياهو وصل إلى طريق مسدود، فهو لم يعد يصلح للمرحلة المقبلة، لأنه لم يستطع طرح أي مشروع سياسي قابل للحياة.
فجأة، فتحت الملفات الواحد تلو الآخر، ولم يعد الأمر يقتصر على الشمبانيا والسيجار، بل على الإعلام والرشى والاتصالات، وربما لاحقاً إلى امتيازات التنقيب عن الغاز، والغواصات الألمانية، وغيرها، فالمجلس الملي الخفي قرر إحالة نتنياهو إلى الاستيداع، ربما في السجن، أو في البيت.
وحاول نتنياهو في الشهور الأخيرة أن يدخل في معارك كثيرة للتغطية على الملفات التي تلاحقه. وكان يروج لضرورة ضرب إيران وقصفها، لكنه لم يجد قبولاً أمريكياً للتعاون في هذا المجال، واكتفى الرئيس ترامب بإعادة النظر في الاتفاق النووي قريباً، ثم كثف من طلعات القصف في سوريا لمنع الإمدادات إلى «حزب الله» لكن إسقاط الطائرة لجم طموحاته مجدداً. وكان نتنياهو فشل في إقناع موسكو بمنع اقتراب الإيرانيين و»حزب الله» من الجولان، وهذا الفشل جعله يتبنى دعم عدة فصائل سورية معارضة في الجولان لمواجهة التمدد الإيراني هناك، ثم دخل في سجال إعلامي وتهديدات ضد حماس في غزة، لكنه يعلم من الوسيط المصري أن حماس لا علاقة لها بما يطلق من قذائف وصواريخ، وان أية مواجهة مع غزة ستؤلب العالم ضده، وتهدد العلاقات مع مصر. ثم تصدى للتشريع البولندي الذي يجرم من يتهم بولندا بالمشاركة في المحرقة اليهودية، وظنها معركة سهلة لكن عندما تحملت ألمانيا بلسان وزير خارجيتها المسؤولية كاملة، وبرأت ساحة بولندا اضطر «الإسرائيليون» إلى وقف الحملة ضد بولندا، خاصة بعد أن أكدت الحكومة البولندية انه مثلما كان هناك مجرمون بولنديون تعاونوا مع النازيين، كان هناك مجرمون يهود تعاونوا مع النازيين. وهذا القول يفتح ملفاً لا تريد «إسرائيل» فتحه عن التعاون بين «الحركة الصهيونية» والنازية منذ مرحلة ايخمان قبل الحرب الثانية مروراً بمعسكرات الاعتقال.
عملياً، وصلت رحلة نتنياهو إلى محطتها الأخيرة فهل يستطيع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة أن ينقذه؟ وهل سيواصل ترامب إمداد نتنياهو بأوكسجين البقاء من خلال نقل السفارة إلى القدس المحتلة خلال شهور؟
hafezbargo@hotmail.com