نحو سباق تسلح نووي جديد
ألاستير كروك *
هل نحن نعيش اليوم في ظل نظام عالمي يرتكز على قواعد ومبادئ، أم نظام عالمي بلا قواعد ومبادئ – أي قائم على أساس القوة ؟.
في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، كتب المعلق السياسي الأمريكي بول كريج روبيرتس، الذي شغل منصب مساعد وزير الخزانة في عهد الرئيس رونالد ريجان ( 1981 – 1989 )، تعليقاً قال فيه: «استغرق المجمع العسكري – الأمني الأمريكي 31 سنة إلى أن تخلص من آخر إنجاز كبير للرئيس رونالد ريجان في مجال الحد من التسلح النووي – ألا وهو معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى التي وقعها الرئيس ريجان والرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشيف عام 1987. وقد كان لي دور اضطلعت به خلف الكواليس في عقد تلك المعاهدة، التي أتذكر جيداً أن إنجازها الكبير جعل أوروبا آمنة من هجوم نووي سوفييتي بواسطة صواريخ متوسطة المدى ( اس اس – 20 ) وجعل الاتحاد السوفييتي آمناً من الصواريخ الأمريكية المتوسطة المدى (بيرشينج التي كانت قد نشرت في أوروبا). وتلك المعاهدة جعلت الأسلحة النووية تقتصر فقط على الصواريخ بعيدة المدى عابرة القارات، التي كانت تتيح وقتاً للطرف الآخر لكي يرد، فضمنت بالتالي الردع المتبادل، أي عدم استخدام أي من الطرفين أسلحة نووية، حيث إن معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى قللت إلى أبعد حد ممكن خطر ضربة نووية أمريكية أولى ضد روسيا ( الاتحاد السوفييتي ) وكذلك من خطر ضربة ( سوفييتية ) أولى ضد أوروبا… والرئيس ريجان لم يجد أي سبب كان لحرب نووية تدمر كل الحياة على الأرض. وفي ذهن ريجان، كانت معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى بداية لإزالة الأسلحة النووية من جميع الترسانات العسكرية في العالم».
غير أن الرئيس ترامب يريد الآن الانسحاب من طرف واحد من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى. وحجته هي أن الصين تصنع أسلحة جديدة ( متوسطة المدى لأنها ليست طرفاً في تلك المعاهدة )، ما يجعل الولايات المتحدة في وضع مكشوف. وقال ترامب: «لدينا مقادير هائلة من الأموال» – ما يعني ضمنياً أن الولايات المتحدة يمكنها كسب سباق تسلح نووي جديد بفضل المجمع العسكري – الصناعي، الذي سيجني بطبيعة الحال أرباحاً هائلة.
وقد أبلغ دبلوماسي أمريكي صحيفة «واشنطن بوست»، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن «التخطيط ( للانسحاب من المعاهدة ) هو في الأساس فكرة مستشار الأمن القومي الصقر جون بولتون»، الذي عينه الرئيس ترامب حديثاً مستشاره لشؤون الأمن القومي. ويعتبر بولتون أن امتلاك الولايات المتحدة أسلحة نووية متوسطة المدى ضروري من أجل ردع الصين.
والرئيس ترامب ليس مخططاً استراتيجياً، وهو يتفاخر بأنه مفاوض بارع. وقد استغل بولتون الداهية رغبة الرئيس في تعزيز القوة الأمريكية من أجل إقناعه بمشروعه: عودة الولايات المتحدة إلى امتلاك قدرة توجيه ضربة نووية أولى انطلاقاً من أوروبا ( بواسطة صواريخ متوسطة المدى ) ضد روسيا، وكذلك ضد الصين. ( ويعرف عن بولتون أيضاً تأييده لنشر قوات أمريكية في أراضي تايوان كوسيلة ضغط إضافية ضد الصين ).
إن حقيقة ما يجري داخل الإدارة الأمريكية حالياً هو أن بولتون، وكذلك وزير الخارجية مايك بومبيو، يدفعان إدارة ترامب للعودة إلى تبني وثيقة «توجيه السياسة الدفاعية» القديمة التي وضعها بول وولفوفيتز عام 1992، حين كان مساعد وزير الدفاع للشؤون السياسية، والتي أرست العقيدة القائلة بأن الولايات المتحدة لن تسمح بظهور أي منافسة لهيمنتها العالمية.
وهذا ما أوضحه بالفعل أرون ويس ميتشل، مساعد وزير الخارجية حالياً، في شهادة أدلى بها أمام مجلس الشيوخ الأمريكي يوم 21 أغسطس/آب 2018.
* دبلوماسي بريطاني سابق أسس ويترأس «منتدى النزاعات» لدراسات السياسات الدولية – موقع «استراتيجيك كلتشر»