قضايا ودراسات

نحو ممارسة الفهم والتفهم

شيماء المرزوقي

نسمع كثيراً أن الخلافات هي مصدر للشرور، وهي أيضاً مكمن كل حرب وتناحر، وهي على المستوى الاجتماعي ـ وتحديداً الأسرة ـ سبب في تقويضها وانهيارها، لكننا لم نتوقف لنسأل عن طبيعة الخلافات وكيفيتها، وهل يمكن تلافيها أو القضاء عليها؟
ومن هذه النقطة تحديداً، نعلم جميعنا أنه لا يمكن أن نعيش حياة دون وجود تباين ووجهات نظر متنوعة، ثم خلافات بعضها حاد وبعضها خلافات على القشور، أو ما تسمى بالخلافات الهامشية.
إذن، نحن أمام واقع لا مفر منه، أمام مطب حياتي يجب التعايش معه وتقبله، وقدرنا مع الاختلاف والاختلافات أن تلفحنا في كل زاوية وركن من أركان الحياة التي نعيشها، فنحن نختلف في بيئة العمل ونختلف مع أطفالنا، ونختلف مع مرؤوسينا، ونختلف مع أحب الناس إلى قلوبنا.
هذا يقودنا لفهم الاختلاف وفهم تعدد الآراء، وفهم لماذا نختلف سواء في الرأي أو في الحكم على الوقائع والأحداث؛ لماذا نختلف في الحكم على نظرتنا للواقع أو المستقبل؟
حتمية الاختلاف تجعل منه حقيقة يجب تقبلها، والتدرب على كيفية التعامل معها بذهنية متفتحة، وفهم متى تُصغي لمن يختلف معك، ومتى تتغافل وتتناسى صدمتك من أحد المقربين يختلف عنك. وعندما نسلم بالاختلافات سواء الطبيعية أو الطارئة؛ فإننا نكون كمن وضع الخطوة الأولى نحو الطريق الصحيح والأسلم؛ تسليمك بأن ابنك الذي كبر ونمى على يديك بات يمتلك رأياً مغايراً لما تقوله ولما تعتقده مؤلم، لكنه في الحقيقة يبعث على السعادة أيضاً؛ لأنك ترى من كان بالأمس ضعيفاً لا يمتلك لنفسه خيراً ولا شراً، بات لديه علم ومعرفة تمكنه من صناعة رأي موازٍ للآخرين.
اختلافنا ليس شراً ولا يعني الكراهية أو الابتعاد والبغضاء؛ بل قد يكون ثراء وتنوعاً، فعندما تتبنى رأياً ووجهة نظر ما، ثم يأتي من يرى الموضوع بشكل مغاير ومختلف عنك؛ فإن هذا يثري النقاش ويوسعه وقد يصل بالموضوع للفائدة القصوى، ثم إن الاختلافات البناءة تقلص الأخطاء؛ بل تقضي عليها؛ لأن الاختلاف يظهر الجوانب المتعددة للموضوع ويظهر الصورة الكاملة أمام الجميع، وهو ما يمكن من إصدار الأحكام بشكل موضوعي ودقيق.
نعم للاختلافات البناءة والتنوع؛ نعم لفهم الخلاف وطبيعته وشكله ومضمونه، والاستفادة من تعدد الآراء وتنوعها.. لنمارس الفهم والتفهم بكل عفوية.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

زر الذهاب إلى الأعلى