قضايا ودراسات

نقص القادرين

ابن الديرة

من أكثر من ألف عام لم ير المتنبي في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام، ويبدو أن ما أجبر أبا الطيب أو حفزه لقول المعنى الوارد في بيته الخالد مشاهد وحوادث لحدوثها وتكرارها صفة الديمومة والخلود، حيث ما زالت المجتمعات العربية، ومجتمعنا ليس استثناء، تعاني من نقص القادرين المنتشرين في كل مجال، ما يوجب التركيز عليهم وتنبيههم، وكذلك تنبيه البيوت والمدارس والمكاتب والمؤسسات.
نقص القادرين يساوي بالضبط هدر الإمكانية. نقص القادرين يعني ألا يتعلم التلميذ الذي وفرت له الدولة كل إمكانات التعليم كما يجب. أن يقصر في الطلب والاجتهاد بالرغم من كل الظروف الملائمة، وما ينطبق على التلميذ ابتداء ينطبق على الموظف والمسؤول والعامل والمهني ورب الأسرة، ولنتصور لو بذل كل إنسان غاية القصد بكل جد واجتهاد.. ماذا ينتج؟ التقدم والتطور والنهوض صعوداً إلى أعلى درجات الوصول.
في دولة الإمارات الفتية الرائدة بالذات لا يليق أن نرى ظاهرة نقص القادرين بهذه الكثافة والكثرة تحيط بنا، والغريب أن معظم الناس يعرفها ويشعر بها، ومعظم أولئك مسهم في وجودها بدرجة تكثر أو تقل، لكن لا أحد، على الأرجح، يعترف بذلك، نحو تجاوز حالته، والعمل بعد ذلك بكل قوته وطاقة جسمه وعقله وقلبه وضميره ليغادر حالة نقص القادرين، ويتحرر من الإطار البائس الضيق الذي وضع نفسه قسرياً فيه، فحرم نفسه من إثبات الذات، وبالتالي، بخل بعطائه على وطنه ومجتمعه.
الطبيب المقصر الذي لا يتعلم الجديد ولا يكتسب خبرات جديدة. المهندس الذي لا ينتج إلا بألف شرط وشرط. المعلم الذي لا يغادر الأداء التقليدي والسائد. المحامي والمحاسب والإعلامي والباحث. المنتمي إلى قطاع الأعمال. الرئيس والمرؤوس.. إلى آخره.. إلى آخره.. مطالبون بالعمل الكامل، خصوصاً في هذه المرحلة التي لا تتحمل أنصاف الحلول ومسك العصا من الوسط.
نقص القادرين على التمام خروج سافر على سياق الإمارات، ومناقض لكل حرف في أبجدية الأداء الحكومي المتميز، فالأكمل التعامل مع الزمن وإدارة الوقت بالأسلوب الأمثل، والأفضل التخطيط للساعة واليوم والأسبوع والسنة، ووضع الأهداف الجادة نحو تحقيقها، وعدم ترك الأمور للغفلة أو المصادفات، فلا مكان في طموح الإمارات للكسالى والقانعين والمتخاذلين. لا مكان في إمارات المستقبل لنقص القادرين على تمام العمل.
وليس إنشاء الكلام بل إنشاء الفعل أو المطالبة بالفعل، فعلينا تطوير الرقابة الإدارية بحيث يسهم المجتمع، وبالنظام والقانون، في فضح هذه الظاهرة وتطويقها، لكن إنشاء الفعل لا يتحقق إلا بقاعدة بيانات ومعلومات صادقة وأقرب إلى الصحة والدقة تؤكد الشعور العام أو تعدله..
نقص القادرين الذي يساوي هدر الإمكانية مرفوض، ومرفوض بشدة في مجتمع الريادة والمبادرة والابتكار. مرفوض وقبل ذلك ممنوع.

ebnaldeera@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى