غير مصنفة

ننعى وحدتنا الوطنية الفلسطينية!

د. فايز رشيد

بكل الصراحة، حيث لم يعد من متسع لنوع من أي مجاملة غير الوضوح، فإن قيادة شعب لايزال يعيش مرحلة التحرر الوطني، إن لم تقولب نفسها في أشكال نضالية جديدة وفقا لما هو مطلوب من أشكال للمواجهة فهي بذلك تسير بنفسها وبشعبها – حتى وإن لم تدرك ذلك – نحو الهاوية. نقول هذا بعد أن جاءت نتائج حوارات الفصائل الفلسطينية في القاهرة مخيبة للآمال ولطموح شعبنا وأمتنا وأصدقاء قضيتنا على الصعيد العالمي.للأسف لم تسفر هذه الاجتماعات إلا عن بيان عام غامض، ما كان يستوجب كل هذا السفر والساعات الطويلة من النقاش بين ثلاثة عشر فصيلاً فلسطينياً. بيان شكلي أسهمت «المخابرات العامة» المصرية في صياغته بعد إصرار منها كما تفيد بذلك مصادر فلسطينية «لتجنّب إعلان الفشل» الذي لاح منذ الساعات الأولى لبدء الجلسات.
لن نغوص في تفاصيل ما جرى في القاهرة، فقد أصبح واضحاً لكل مواطن عربي مهتم ومؤمن بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للجماهير العربية من المحيط إلى الخليج. ما نود التأكيد عليه هو أن مخططات جادة تجري على قدم وساق لتصفية القضية الفلسطينية سواء اصطلح على تسميتها ب «صفقة القرن» أو «التسوية الإقليمية» أو «خطة ترامب»، وكلها عناوين لمضمون واحد عنوانه هو«تصفية القضية الفلسطينية» ومع ذلك فإن فصائلنا عاجزة عن إتمام الشرط الأول لتحصيل حقوقنا الوطنية ولتحرير متر مربع واحد من أرضنا الفلسطينية الخالدة،وهو الوحدة الوطنية.
نحن أمام موقف «إسرائيلي» واضح لتصفية قضيتنا وحقوقنا الوطنية: لا دولة ثانية ستقام بين النهر والبحر غير دولة «إسرائيل»، واستيطان زادت وتائره في الأعوام الأخيرة بنسبة 120% بالشكل الذي يصبح فيه من الاستحالة بمكان إقامة أي دولة فلسطينية على ما يتبقى من أراض للفلسطينيين، ولا حديث عن القدس ولا المستوطنات، ولا عودة للاجئين الفلسطينيين ولا حقوقهم، باستثناء الحديث عما يسمى الرخاء الاقتصادي الذي «سينعمون» فيه في مناطقهم مع توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي يعيشون فيها. أما ما يتبقى من أراض فلسطينية في الضفة الغربية فتدخل في اتحاد كونفدرالي مع الأردن. وبعض الأحزاب الأكثر تطرفاً في الكيان الصهيوني أعلنت أن بإمكان الفلسطينيين إقامة دولتهم في الأردن، باعتبار أنه جرى اقتطاعه (وفقا لنتنياهو) من «أرض «إسرائيل»» !. أما غزة المثقلة بكثافة السكان فبإمكان الفلسطينيين إقامة كيان سياسي لهم يظل محاصراً بالطبع من قبل قوات الاحتلال الصهيوني.
أمام هذا التصور الصهيوني – الأمريكي- وأمام 22 عاماً من المفاوضات العقيمة التي لم تزد العدو الصهيوني إلا تعنتا وشراسة في رفض الحقوق الفلسطينية وفرض مزيد من الاشتراطات على الفلسطينيين والعرب بضرورة اعترافهم ب«يهودية» دولة «إسرائيل»، يصبح التمسك بالمفاوضات كاستراتيجية وحيدة للبعض في الصراع جريمة كبرى، تماماً كما جريمة عقد الهدنة الطويلة الأمد مع دولة الاحتلال الصهيوني. دلّونا بالله عليكم على مطلق حركة تحرر وطني ناضلت ضد محتلي أرضها ومغتصبي إرادتها دون كفاح مسلح واعتماداً على المفاوضات فقط؟
في ظل هذا التصور الصهيوني ألا يصبح الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لإرغام هذا العدو العنصري الفاشي على الاعتراف بحقوق شعبنا؟ كل فلسطين ما زالت محتلة إما احتلالاً مباشراً أو بالحصار مثلما هو جار في قطاع غزة! فعلى ماذا نختلف ولماذا لا نصل إلى تجاوز الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية؟
عشر سنوات من الانقسام الفلسطيني، ولا ضوء في نهاية النفق لتجاوزه. أعوام لا تعد ولا تحصى من المفاوضات العبثية مع هذا العدو ولا حياة لمن تنادي، ونتمسك بالمفاوضات والتهدئة! أليس ذلك عيباً وعاراً؟
لهذا ننعى إليكم وحدتنا الوطنية الفلسطينية. للعلم، تمثل النصوص التوراتية والوثائق اليهودية، ومجمل نتاج الفكر الديني الصهيوني في مراحل مختلفة من التاريخ نموذجاً فريداً للدوغمائية الإرهابية العنفية ‘ بحيث، لم يكف الحاخامات اليهود عن تغذية تلك الأساطير القبلية المؤسسة للسياسة الصهيونية باستمرار حتى هذه اللحظة،وبالتالي أصبح العنف والقتل اليهودي للأغيار (غير اليهود) بالنسبة إلى المتدينين اليهود ذا مضمون عنصري استعلائي مقدس. بالمقابل يقول المبدع كازانتزاكيس عن المقاومة، وعلى لسان الراهب «ياناروس» في رائعته «الإخوة الأعداء» بعد أن فشلت كل دعواته إلى الإخاء والمحبة والسلام وفي إخراج المحتلين من اليونان،وصل إلى نتيجة مضمونها تقول: «أيتها الفضيلة تسلّحي.. أيها المسيح تسلّح.. إني سأعلن الإنجيل الجديد في كل مكان إنجيل السلاح».

Fayez_Rashid@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى