نور سلطان في باريس
رائد برقاوي
هو ليس احتفاءً غربياً بمدينة إماراتية عربية إسلامية مشرقية قدمت للإنسانية منتجاً ثقافياً حضارياً، وباتت عاصمة عالمية للكتاب، بل هو تكريم لصاحب هذا المنجز فكرةً وجهداً ومتابعةً وإنجازاً.
عندما تختار مدينة النور باريس الشارقة عاصمة التنوير لتكون أول مدينة عربية ضيفاً مميزاً في معرض باريس الدولي للكتاب، فإنها تحتفي بصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي أضاف لهذا المنتج رونقه ولمسته الإماراتية الكريمة.
رغم ساعات السفر الطويلة، وأجواء الشتاء الباردة، وكثافة المشاركين والزوار، التقى سلطان في جناح الشارقة، وعلى مدار أربع ساعات ضيوف الإمارات، يتقدمهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
الشارقة في باريس لا تقدم للعالم الثقافة الإماراتية الناهضة في أبعادها المختلفة وحسب، ولكنها تكشف في الحقيقة عن وجه مشرق للثقافة العربية.
الإمارات من خلال شارقتها تقول للعالم اليوم: لدينا نحن العرب فنون وآداب، مثقفون وكتاب، وأعمال إبداعية مترجمة.
الإمارات تقول للمجتمعين في باريس: لدينا ثقافة تحتفي بالحياة، فنحن العرب أبناء الحياة وورثة تراث عظيم أثرى الحياة، وأفاد البشرية على مدار قرون.
الإمارات تقول للفرنسيين والأوروبيين: نحن أحفاد ابن رشد وابن سينا والبيروني وجابر بن حيان.. وكثيرين غيرهم.
الإمارات تقول أيضاً: الثقافة العربية كانت ثقافة العالم في يوم من الأيام، والفلسفة والعلوم العربية كانت مناهج تدرس في الجامعات الأوروبية عند تأسيسها، واللغة العربية كانت لغة النخبة المثقفة آنذاك.
الإمارات تقول للعالم اليوم: يستطيع العرب بفضل دأب رجال مثل سلطان أن يكونوا جزءاً فاعلاً ومؤثراً في التفاعل الحضاري الدائر اليوم. هذه هي الرسالة أو المشروع الذي اشتغل عليه حاكم الشارقة منذ أكثر من أربعين عاماً. وها هو اليوم يحصد ومعه العرب كلهم بعض ثمار هذا المشروع.
الشارقة في باريس، مناسبة للفرح والفخر، ولكنها أيضاً مناسبة للتفكير وقراءة رسالة أخرى برسم المثقفين والاقتصاديين العرب معاً.
الرسالة تتلخص بإشكالية المثقف العربي الأساسية في السؤال كيف يصل إلى الآخر ليتعرف إلى ثقافتنا؟. ليست الثقافة النخبوية الكامنة في الكتب وحسب، ولكن الثقافة بمعناها الإنساني.. الأعمق والأشمل، فنحن نريد أن تكون بلادنا العربية محط أنظار العالم بثقافتها وعلومها، وأيضاً بآثارها ومتاحفها ومعالمها..بكتّابها وناسها.
إذا نجحنا في التسويق لثقافتنا في العالم، فإن النتائج الثقافية والحضارية ستكون مبهرة، والنتائج الاقتصادية ستكون أكثر إبهاراً بالتأكيد. ولدينا في الإمارات والعديد من المدن العربية الكثير من الشواهد التي تؤكد ذلك.
الشارقة في باريس، مناسبة لإعادة التفكير في علاقة الثقافة بالاقتصاد، وكيفية التناغم بينهما لخدمة مشروع الاستثمار في الإنسان.
شكراً سلطان؛ لأنك كنت منذ نصف قرن من أوائل المثقفين الذين نادوا بهذا المشروع، وشكراً مرة أخرى؛ لأن مجهوداتك تدخل الفرح إلى قلوبنا، والأهم أنها تدفعنا إلى التفكير في كل ما يفيد ثقافتنا العربية؛ للوصول بها إلى المكانة التي تستحقها في عالم اليوم.
barqawi04@hotmail.com