مقالات عامة

هشاشة الدول والمجتمعات

فيصل عابدون

تعبر كلمة الهشاشة عن حالة ضعف يمكن أن تنتاب الدول والمجتمعات كما يمكن استخدامها لوصف النظامين الإقليمي والدولي. وفي الدراسات السياسية الحديثة فإن تعبير الهشاشة يؤشر إلى حالة الانكشاف والعجز والقابلية للانكسار. والدولة الهشة هي العاجزة عن أداء وظائفها الحيوية وبسط سلطتها على أراضيها أو تلبية تطلعات رعاياها والتي لا تملك استراتيجيات للتكيف لمجابهة المخاطر والصدمات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ويشير الباحث السياسي الدكتور خالد حنفي إلى أن بعض أبرز مظاهر هشاشة الدول تتمثل في تفشي الفساد والعجز عن مكافحته وانعدام الأمن الداخلي وانتشار الفقر بين أفراد الشعب. كما يوضح الباحث أن من بين أهم العوامل التي تغذي هشاشة وضعف الدول وجود الأنظمة الاستبدادية وتفاقم الأزمات الاقتصادية وعجز مؤسسات الدولة عن وضع كوابح وحلول للتدهور والأزمات التي تمسك بخناق الدولة والمجتمع.
وبينما تمثل هذه المظاهر والعوامل علامات ظاهرة للعيان تؤكد ضعف الدولة وفقدان سيطرتها وتبقيها في حال من الوهن يهدد بانهيارها الكامل، فإن هناك عوامل أخرى مختلفة لكنها تقود إلى ذات النتيجة ومن بينها احتدام الصراعات والحروب الأهلية وعمليات الغزو الخارجي بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية.
ومن الطبيعي أن تتباين قدرات الدول والمجتمعات في طرق مكافحة الهشاشة وتفادي أخطارها الكارثية أو تقليل مخاطرها وأمد بقائها، وفي بناء مسارات مضادة لتطوير مناعتها الداخلية للخروج من حالة الضعف وخطر السقوط إلى حالة الثبات والصلابة والاستقرار. ويعتمد ذلك على مستويات الهشاشة وطبيعة حاضناتها في الدولة أو المجتمع المعين من جهة، ومدى قابلية الدول والمجتمعات للصمود أو الانكسار وقدرتها على الصمود وبناء مسارات بديلة من جهة أخرى.
ويقدم التاريخ المعاصر لدولتي إثيوبيا والصومال مثالين لسقوط الدولة المركزية بسبب حالة الضعف التي بلغت أقصاها بانهيار الجيش الإثيوبي في مواجهة الحركات الانفصالية المسلحة والذي قاد بالضرورة إلى سقوط السلطة المركزية. وأدت الحروب الأهلية والخارجية في الصومال أيضاً إلى سقوط الحكم المركزي وغياب الدولة في الصومال. لكن الفارق في الحالتين أن النظام الإثيوبي تمكن بسرعة قياسية من تجاوز التأثيرات السلبية وتفادي السقوط في الفوضى وأعاد بناء هياكل السلطة لتعود الدولة الإثيوبية أكثر قوة وفاعلية في محيطها الإقليمي وخلال فترة قياسية.
وفي المقابل فقد سقطت الصومال ضحية للفوضى وغياب الدولة الأمر الذي حفز التدخل العسكري الخارجي وسيادة حكم الميليشيات والعشائر والعصابات المسلحة، وتمكنت بعد سنوات طويلة من استعادة مظاهر الدولة وما زالت تتعافى وتحاول استعادة أدوارها الإقليمية في مواجهة تحديات كبيرة، داخلية وإقليمية ودولية.
وربما يعود السبب وراء الحالة الإثيوبية إلى التاريخ الإمبراطوري طويل الأمد للدولة الإثيوبية في استجابتها السريعة وقدرتها على التماسك وامتصاص الصدمة واستحضار مسارها الدفاعي، على عكس الصومال التي كانت استجابتها بطيئة وباهظة التكاليف.

Shiraz982003@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى