هل الاتحاد الأوروبي يدعم أنظمة استبدادية؟
جيرهارد شنايدر ودوروثا سالاي*
يبدو الاتحاد الأوروبي، بما يقدمه من عون لبعض الدول غير الليبرالية عبر صناديق التنمية، كأنه يدعم الأنظمة فيها رغم استبدادها. ومن هنا فإن خفض التمويل لها يمكن أن يكون حافزاً لها للامتثال.
يشكل صعود الديمقراطيات التي تصف نفسها بأنها غير ليبرالية في شرق أوروبا الوسطى، أحد أكبر التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي حالياً، وإن كان هذا التحدي، دون ما يستحق من اهتمام.
وتصف جميع الأطراف دور الاتحاد الأوروبي في هذه الأنظمة غير الليبرالية، بأنه دورُ طرف غريب عنها. ولكن إلقاء نظرة فاحصة على الأداء السياسي والاقتصادي لهذه الدول، يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي- من خلال صناديق التنمية الهيكلية هو في الواقع جزء من نموذجها غير الليبيرالي. ويشير هذا بدوره، إلى أن خفض التمويل من بروكسل، يمكن أن يكون حافزاً قويّاً لإعادة هذه الدول إلى الامتثال.
فبعد سنوات من التقاعس النسبي، بدأ الاتحاد الأوروبي باتخاذ تدابير ضدّ بعض هذه الدول. في يونيو2017، أطلق إجراءاتِ انتهاك ضدَّ بولندا وهنغاريا وجمهورية التشيك، بسبب رفضها الامتثال للحصص المتفق عليها في قبول اللاجئين.
وفي ديسمبر 2017، اتخذت المفوضية الأوروبية تدابير ضدّ بولندا، استناداً إلى رأي يقول إن تعديلاً أدخلته مؤخراً، قوّض الاستقلال السياسي للقضاة البولنديين. وقد اتخذت المفوضية الخطوة غير المسبوقة التي تمثلت في اقتراح إجراء بموجب المادة 7 في معاهدة الاتحاد الأوروبي. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى فقدان بولندا حقوقها في التصويت في صنع القرار في الاتحاد الأوروبي.
وهنالك بعض الجدل حول مدى فاعلية وشرعية مثل تلك الإجراءات. ويريد العضو الفرنسي السابق في البرلمان الأوروبي، دانييل كوهْن بينديت، المضي إلى أبعد من ذلك. ويقول إن الديمقراطيات غير الليبيرالية ينبغي حثها على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وللبتّ في هذه المسائل الأخلاقية والعملية بشأن التدخل، ربما يكون من الضروري إلقاء نظرة أقرب على الأداء السياسي- الاقتصادي للنموذج غير الليبرالي، والدور الذي لعبه الاتحاد الأوروبي في ظهوره. وكانت إحدى السمات الرئيسية لدول بولندا، هنغاريا، سلوفاكيا وجمهورية التشيك، خلال تسعينات القرن الماضي، اعتمادها الشديد على الاستثمار الأجنبي المباشر.
وقد وصف عالما الاجتماع اندرياس نولكه، وارجين فليجنتارت هذا النموذج الناشئ للرأسمالية ب«اقتصاد السوق التابع». ويعني التحديث الصناعي الذي يقوده الاستثمار المباشر الخارجي، أن هذه الدول تعيش بفعل قرارات تتخذ خارج حدودها الوطنية في مقار الشركات متعددة الجنسيات.
وتظهر أبحاثنا أن الكثير من الشركات تواجه ضغوطاً من نظام لا يتورع عن استخدام ما وصفه أحد المديرين التنفيذيين الذين قابلناهم ب«أدوات المافيا» لزيادة سيطرته على الاقتصاد. وتشمل هذه الأساليب ابتزاز الشركات أساساً لحملها على التنازل جزئياً، أو كلياً عن السيطرة على الشركة لأعضاء في عشيرة أوربان.
وفي جوهر الأمر، ليس هنالك ما يضير في أن تقرر الدولة ممارسة دور أكثر بروزاً في الاقتصاد، بما في ذلك، إعادة تأميم شركات خاصة. ولكن في هنغاريا، يبدو أن هذه الإجراءات ترمي بشكل رئيسي إلى إثراء أفراد العشيرة المحيطة بالرئيس أوربان.
ويبدو مثل هذا الموقف العدواني- في القول والعمل- ضدّ رأس المال الأجنبي، مدهشاً بسبب اعتماد البلاد على الاستثمار الخارجي المباشر. ويمكن تفسيره جزئياً بعضوية هنغاريا في الاتحاد الأوروبي. فكان الانضمام إلى الاتحاد عام 2004، يعني أن دول شرق ووسط أوروبا يمكن أن تصل إلى الأموال الهيكلية، وهي مصدر بديل للتمويل الذي تمس الحاجة إليه، لإعادة الهيكلة والتحديث الصناعيين.
*شنايدر محاضر في الإدارة الدولية، في جامعة «لاف برو»، وسالاي محاضِرة في الإدارة الدولية، بجامعة جرينتش. موقع: «ذي كنفرسيشن»