هل تسمى أحد بمحمد قبل الرسول؟
د. عارف الشيخ
هذا السؤال يرد عليّ كثيراً، وعموم الناس يعتقدون أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم هو أول من تسمى بهذا الاسم، والواقع أن علماء اللغة والسير ذكروا عدة أشخاص تسموا بمحمد قبل ولادة محمد صلى الله عليه وسلم.
فنقرأ للقاضي عياض المالكي، مؤلف كتاب «الشفاء في شمائل المصطفى» أن بعض العرب تسموا بمحمد عندما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبياً سيبعث قريباً يسمى محمداً، وحسب رواية القاضي عياض هم ستة سموا بهذا الاسم رجاء أن تكون النبوة في أحدهم.
وذكر السهيلي في كتابه «الروض الآنف» بأن ثلاثة تسموا بهذا الاسم وهم محمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن أحيحة بن الجلاح، ومحمد بن حمدان.
ويذكر ابن سعد في كتابه «الطبقات» عن قتادة بن السكن قال: كان في بني تميم محمد بن سفيان بن مجاشع، قيل لأبيه إنه سيكون في العرب نبي اسمه محمد فسمى ابنه محمدا.
ويذكر عبدان المروزي أن محمد بن أحيحة هو أول من تسمى في الجاهلية محمدا، وكأنه تلقى خبراً من قصة تُبع لما حاصر المدينة، وخرج إليه أحيحة هو والحبر الذي كان عندهم بيثرب فأخبر الحبر بظهور هذا النبي، وأن يثرب بلد هذا النبي العربي الذي سيبعث واسمه محمد، فسمى أحيحة ابنه محمدا.
نعم… وفي «فتح الباري» لابن حجر العسقلاني نقرأ أن جميع الذين تسموا بمحمد قبل ولادة محمد صلى الله عليه وسلم خمسة عشر شخصاً (انظر ج 6 ص 556 – 757).
إذن اختلفت الروايات التي وردت على ألسنة علماء السير، فمن القدماء والمحدثين من أنكر ورود اسم محمد في الجاهلية ومنهم من أقر بأن واحداً منهم تسمى بهذا الاسم.
فمن المحدثين العلامة الخضري مؤلف كتاب «نور اليقين في سيرة سيد المرسلين» حيث قال: اسم محمد لم يكن معروفاً عند العرب، ولم يمر فيما قرأناه من كتب تاريخهم ودواوين أنسابهم إلا اسم واحد لأحد أشراف تميم وهو الأب الخامس للفرزدق الشاعر المعروف.
لكن رد على الشيخ الخضري بأن الذين تسموا بهذا الاسم أكثر من واحد وسبب التسمي بمحمد هو ما ذكرناه آنفاً بأنهم تمنوا أن تكون النبوة فيهم، وقد ذكر ابن سعد هذا في «الطبقات».
لكن نستطيع أن نجزم بأن الاسم الذي لم يتسم به أحد قبل محمد صلى الله عليه وسلم هو أحمد، وقد ورد في القرآن الكريم على لسان نبي الله عيسى عليه السلام: (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد…) (الآية 6 من سورة الصف).
وقد أشار إليه صلى الله عليه وسلم الشاعر أسعد أبو كرب الحميري وكان مؤمناً آمن بالنبي محمد قبل بعثته:
شهدت على أحمد أنه
رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره
لكنت وزيراً له وابن عم
وألزم طاعته كل من
على الأرض من عرب أو عجم
ما ذكرناه ثابت في كتب معتبرة مثل «البداية والنهاية» لابن كثير و«لسان العرب» لابن منظور الإفريقي و«بلوغ الأرب» للألوسي.
وفي «مسند أحمد» ج1 ص 98 عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، فقلنا: يا رسول الله ماهو؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهورا، وجعلت أمتي خير الأمم) (أورده الألباني ضمن السلسلة الصحيحة)