قضايا ودراسات

هل توجد خطة اسمها «صفقة القرن» ؟

عوني صادق

منذ سنتين يدور حديث يعلو ويهبط، وأحياناً يتوقف عن «خطة سلام» مزعومة تعود حقوق الملكية فيها للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وحتى هذه اللحظة لم يطلع أحد على مضمون هذه «الخطة»، حتى أصبح الكثيرون يعتقدون أنها ليست موجودة ولا حتى في خطوطها العريضة! وفي السنتين الماضيتين تراجع صاحبها عنها أكثر من مرة، وتناقضت تصريحاته حولها مرات، ما رجح عدم وجودها من الأساس! الأهم من ذلك، ربما، أن الفلسطينيين يرفضونها، مع كل اختلافاتهم مع أنهم لم يعرفوا منها شيئاً أكثر مما يخرج من تصريحات وتغريدات صاحبها المتناقضة. وكذلك «الإسرائيليون» لم يعلنوا عن قبولها، بل وكما يقولون مختلفون حولها، وهم أيضاً لا يعرفون عن تفاصيلها شيئاً كثيراً، الأمر الذي يرجح، مرة أخرى، أنها غير موجودة!
في الأسبوع الماضي، أطلق السفير الأمريكي في تل أبيب، ديفيد فريدمان، وهو مستوطن صهيوني في الوقت نفسه، تصريحاً قال فيه: إن «الخطة» ستنشر «حين تتوصل الإدارة الأمريكية إلى الاستنتاج بأن احتمال قبولها وتنفيذها يصل إلى الذروة»! جاء هذا التصريح بعد إعلانات عدة حددت أكثر من موعد لنشرها وتقديمها للأطراف المعنية، كان آخرها يحدد نهاية العام الجاري كموعد نهائي، لكنه مع تصريح السفير يكون قد تم التراجع عنها جميعاً! ولعل الإدارة الأمريكية من مدرسة رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين الذي سبق وقرر أن «المواعيد ليست مقدسة»!!
تصريح السفير الأمريكي في تل أبيب، استفز، كما يبدو، كاتباً «إسرائيلياً»، وهو مؤرخ وسفير سابق للكيان في واشنطن، هو شلومو شامير، فدفعه إلى كتابة مقال نشرته صحيفة (معاريف- 30/11/2018)، تساءل فيه عن «معنى أن يصل احتمال قبولها إلى الذروة»، واعتبره «دليلاً قوياً على أن الخطة لن تنشر في المستقبل المنظور، ومشكوك جداً أن تقدم على الإطلاق»! والحقيقة أن شامير محق في استنتاجه، ولم يخطئ عندما اعتبر أن السفير يجهل ما يجري في دولته وفي الدولة التي يمثل دولته فيها! فمن جهة، إضافة إلى أن الرئيس صاحب الخطة لا يملك صورة واضحة عن خطته ولا كيف سينفذها، فإن الطاقم المكلف لصياغتها ليس متفقاً على بنودها أو تفاصيلها، أو كيف يكون تنفيذها. وآخر اثنين انضما إلى طاقم الصياغة كانا وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ولكل منهما مقاربة مختلفة عن الآخر. ويقول شامير في مقاله آنف الذكر، إن صيغة تعطي كل شيء ل«إسرائيل» لن يقبلها الفلسطينيون، كما أن «صيغة متوازنة» لن يقبلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو الذي يفضل المحافظة على «الوضع القائم»! وينسب شامير إلى محافل دبلوماسية ومحللين في واشنطن قولهم إن الرئيس ترامب لم يعد متحمساً لخطته، لأنه اكتشف أن «الوضع معقد» وسيسبب له إحراجات جمة! وعليه يرى شامير أن «خطة الرئيس للسلام فشلت قبل أن تخرج لهواء العالم، وفرصها هزيلة قبل أن نعرف بوضوح ما الذي يوجد فيها»!
ويبقى إلى جانب هذا المشهد الهزلي غير المسبوق في السياسة، ذلك المشهد العربي الأكثر هزالاً وهزلية والمثير للسخرية! وهو في الحقيقة مشهدان: فريق وافق «على بياض»، وفريق ينتظر أن تفرض الصفقة عليه! وفي الوقت الذي يبدو أن أهم ما يمكن أن تتضمنه الخطة تم تنفيذه بالفعل، نجد بعض الأطراف العربية وافقت على «الخطة» دون نقاش ووقعت «على بياض»، ودون أن تعرف عنها شيئاً، وعلى الأرجح أنه لم يخطر ببالها أن تسأل عن شيء بشأنها، ورمت قضية الشعب الفلسطيني خلفها قبل أن تتأكد أن هناك «خطة» لتوقع عليها! بينما ينتظر الفريق الثاني أن تصدر الأوامر من واشنطن لتوقع على «الخطة»! ولعله من المضحك المبكي أن البعض لم يجد لديه من الصبر لينتظر حتى لا يذهب إلى «احتفال» تم إلغاؤه، أو على الأقل تأجل موعده!

awni.sadiq@hotmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى