غير مصنفة

هل نحن شرّ أمة أيتها «الجزيرة»؟

د. عبدالله السويجي

في الوقت الذي يقوم فيه جيش الدولة العبرية بقمع المظاهرات التي يقوم بها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، احتجاجاً على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، تستضيف «قناة الجزيرة» القطرية المؤرخ الصهيوني مردخاي كيدار في برنامج «الاتجاه المعاكس»، الذي يعده ويقدمه المدعو فيصل القاسم، ويسمح له بالتهجم على الأمتين العربية والإسلامية، ويمنحه الوقت الكافي لمواصلة شتائمه، والتطاول على العرب والمسلمين، إذ قال هذا المردخاي: «العالم العربي اليوم مستنقع من النار والدموع والدماء، من يريد أن يتقرب أو يتكلم معكم؟ العالم العربي فاشل، الأمة الإسلامية فاشلة، من يريدكم؟ أنتم شر أمة أخرجت للناس..». وحين رد عليه الداعية الإسلامي عبد الرحمن الكوكي من الدوحة قائلاً: «والله، خيرُ أمة، رغم أنفك»، طلب فيصل القاسم منه السكوت والاستماع ل(ضيفه) الصهيوني بمواصلة الحديث، ليعارض قول الله: (كُنتُمْ خَير أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).
قيل الكثير عن «قناة الجزيرة» من أنها أول من طبّع مع دويلة الاحتلال، وأول من أدخل الشخصيات الصهيونية إلى بيوت العرب من خلال استضافتهم على قنواتها العربية والإنجليزية، وقيل أيضاً إنها حاضنة «الإخوان المسلمين»، وتشكل منصة لأفكارهم ورموزهم، وهي من لعبت دوراً سيئاً في فبركة الكثير من الأحداث، منذ انطلاق ما يسمى «الربيع العربي» الذي تحول إلى خريف عربي بعد الدعم الكبير الذي قدمته قطر، إعلامياً ومادياً وتسليحياً للتنظيمات المتطرفة التي صُنّفت فيما بعد بالإرهابية، وهي التي أججت الصراع الخليجي وفاقمته بتغذية الفتنة بين أبناء الشعب الخليجي الواحد، وقبلها قامت شخصيات قطرية على مستوى عالٍ جداً بزيارة دويلة الاحتلال، وتقديم الدعم لبناء مستوطنات، قيل الكثير الحقيقي والثابت بالصور الفوتوغرافية وأفلام الفيديو.
وكانت القناة تستضيف هؤلاء الصهاينة بذريعة الاستماع للرأي والرأي الآخر، لكن ما فعلته «قناة الجزيرة» عن طريق المدعو فيصل القاسم كان قمة الخيانة والانبطاح أمام الشخصيات الصهيونية، فما قاله المؤرخ مردخاي ليس رأياً، وإنما شتائم وصلت إلى قلب الآية الكريمة (كنتم خير أمة..) لتصبح كنتم شر أمة، واتهام الأمة الإسلامية بالفاشلة، والسماح له باستكمال تصريحاته والطلب من الشيخ الكوكي الصمت، وعدم مقاطعته من القاسم، دليل على استمتاعه بما يسمع، ولا شك أنه فرح بذلك، لأنه شعر بينه وبين نفسه بأن تلك الحلقة ستثير ضجة كبيرة في الإعلام التقليدي والحديث، ولكنها ضجة ستكشف عن النوايا القذرة للمقدم والقناة معاً، لأن التطاول شمل الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، حين قال ضيفه الصهيوني: «لو فتحت «إسرائيل» أبوابها أمام العرب، لانتقل نصفهم إليها في اليوم الأول، ونصفهم الثاني انتقل في اليوم الثاني..»، وهو يتهم جميع العرب بالخيانة والإعجاب الكبير بدولة الاحتلال، إلى درجة أنهم يتمنون الانتقال للعيش في دويلته (المتقدمة والمتطورة)، تحت احتلاله معترفين بسيادته على فلسطين.
وأخال فيصل القاسم وهو يقرأ هذا الكلام سيقول: «أليست الأمة العربية فاشلة، أليست منقسمة ومتشرذمة تتقاتل فيما بينها، ماذا فعلت 22 دولة منذ 70 عاماً لفلسطين؟ وأليست الأمة الإسلامية فاشلة، ماذا فعل مليار ونصف المليار مسلم لفلسطين؟». وفي الواقع إذا كانت الأمة العربية فاشلة فلأنه يوجد أشخاص من أمثاله يتلونون في سياساتهم ومواقفهم، وهناك قنوات مثل «الجزيرة» حولت الربيع إلى خريف بإخوانها الإسلاميين، وهناك دولة مثل قطر تدعم الإرهاب والإرهابيين، وتقوم بتدمير دولة مثل سوريا وليبيا، وتسعى إلى تدمير مصر أيضاً، وحتى تظهر بمظهر الدولة الخيرة تقوم بدعم اللاجئين هنا وهناك، مثلما تدعم قطاع غزة، وفي الوقت ذاته تقوم بدعم المستوطنات الصهيونية.
إن ضيف فيصل القاسم لم يتهجم على ضيف آخر، لم يكن الحوار بين شخصين، شمل التهجم على أمة بأكملها، بانتمائها القومي والديني. وهنا لا نريد الرد على المؤرخ الصهيوني الذي يساهم في تزوير التاريخ، ودولته تسرق كل شيء ابتداء من الأرض وصولاً إلى الزي الفلسطيني، ولا شك أنهم فرحون الآن بقرار ترامب بسرقة القدس. لن نرد عليه لأن هناك شعباً ينتفض الآن ويرد عليه بتصديه بصدوره العارية لترسانة السلاح الصهيونية، ومستعد للشهادة في سبيل أرضه، يكفينا أن نضرب هذا النموذج ليعلم مردخاي أن الشعب العربي ليس فاشلاً، والفلسطينيون ليسوا فاشلين، وإن قيّض الله لهم قيادة لم ترتق إلى تضحياتهم وانتمائهم وتعلقهم بأرضهم.
ما قدمته «قناة الجزيرة» القطرية يضاف إلى مؤامراتها ضد العرب والمسلمين، وما خفي كان أعظم.

suwaiji@emirates.net.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى