هل يُستأنف سباق التسلّح النووي؟
جوناثان ماركوس *
ينطوي قرار الولايات المتحدة الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى على نتائج خطيرة بالنسبة لمستقبل الحد من التسلح، وللتصورات بشأن الولايات المتحدة ومقاربتها للعالم، وأيضاً بالنسبة للتنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا من جهة، وبين الولايات المتحدة والصين من الجهة الأخرى.
معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى مهمة من حيث أنها حظرت فئة كاملة من الصواريخ النووية، هي فئة صواريخ «كروز» والصواريخ البالستية التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كلم. وتعتبر هذه الصواريخ مزعزعة للاستقرار الدولي إلى حد بعيد، ولذلك شكلت هذه المعاهدة خطوة كبرى نحو الحد من التسلح. والمعاهدة كانت أيضاً عنصراً مهماً في شبكة متكاملة من معاهدات لتخفيض الأسلحة والحد من التسلح استهدفت السيطرة على التوترات وتخفيفها إبان الحرب الباردة.
ولكن العلاقات بين الغرب وروسيا أصبحت اليوم متوترة مرة أخرى، في حين أن مجمل المنظومة الدولية للحد من التسلح أخذت تتداعى ببطء. وهذه المعاهدة التي استهدفت أيضاً الحد من حشد قوات تقليدية في أوروبا أصبحت الآن موضع تجاهل إلى حد بعيد.
وهناك الآن شكوك حتى بشأن مصير المعاهدة الرئيسية للحد من التسلح النووي، وهي معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية المعروفة باسم «ستارت»، والتي وقعتها واشنطن وموسكو في 2011 بهدف الحد من أعداد أنظمة الصواريخ النووية الاستراتيجية طويلة المدى. ويتعين على الولايات المتحدة وروسيا أن تمددا أجل هذه المعاهدة في فبراير/شباط 2021، وإلا فإن أجلها سوف ينتهي. وإذا حصل ذلك، فلن تبقى هناك أي حدود زمنية قصوى لأكبر ترسانتين نوويتين استراتيجيتين في العالم.
والتقدم الكبير في مختلف مجالات تكنولوجيات التسلح يهدد بتطوير أنظمة تسلح جديدة كلياً، خصوصاً في المجالات السيبرانية ( الإلكترونية – الحاسوبية ). ويحذر دعاة الحد من التسلح عبر العالم من أخطار التخلي عن الاتفاقيات الحالية للحد من التسلح، ويطالبون بتوسيع نطاق هذه الاتفاقيات بحيث تشمل مجالات جديدة (نتيجة للتقدم العلمي والتكنولوجي).
والآن، يفتح انهيار معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، نتيجة لانسحاب الولايات المتحدة منها، المجال أمام روسيا لكي تنشر العديد من هذه الصواريخ، كما يجعل من المرجح جداً أن تظهر خلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين حول التوجه الاستراتيجي الجديد للولايات المتحدة.
وما يعزز هذه الاحتمالات، التي تنذر بتأجيج توترات دولية، هو واقع أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أصبح لها سجل من الانسحابات من معاهدات دولية رئيسية وحيوية للأمن العالمي – بعد انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران ومن معاهدات دولية حول التجارة والتغير المناخي. ويتخوف كثيرون من أن إدارة ترامب تدمر النظام الليبرالي الدولي الذي لعبت الولايات المتحدة الدور الرئيسي في بنائه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويقول منتقدون للإدارة الأمريكية إن الولايات المتحدة لم تعد الآن لاعباً رئيسياً في بناء نظام عالمي مستقر. وفي الواقع، يهيئ انهيار معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى المسرح الدولي لتنافس دولي جديد وخطر بين الولايات المتحدة وروسيا.
ونتيجة لقرارات إدارة ترامب، فإن العالم يبدأ اليوم عهداً جديداً من تنافس استراتيجي عالمي. وهذه لن تكون بالضرورة حرباً باردة ثانية، لأن قوة روسيا اليوم لا يمكن أن تقارن بما كانت عليه قوة الاتحاد السوفييتي. ومع ذلك، فإن العالم يمر اليوم بفترة خطرة، خصوصاً مع انسحاب الولايات المتحدة من معاهدات دولية رئيسية كانت في العقود القليلة الأخيرة تحدد «قواعد اللعبة» وتجنب العالم كارثة مواجهة نووية.
* مراسل دبلوماسي ودفاعي لمحطة ال «بي بي سي» – موقع المحطة