واجبات الخليج.. وأثقال العرب
عبد الله بشارة
معظم دول العالم منشغلة بدراسة تبدلات المناخ وتأثيراته على حياة الناس، وعلى احتياجاتهم من غذاء ومياه وأرض تنتج وأنهار تصب في مجراها، لكن الواقع غير ذلك، فالثلوج في القطب الشمالي تذوب وتصبح سيولاً تغرق، مع إنتاج مضطرب ومناخ متقلب، وأخطر من ذلك أنهار تجف وحصاد يموت ومناخ ساخن.
وإذا تابعنا حالة الجغرافيا القريبة من دولنا، فنتابع حالة العراق الذي شحت فيه الأنهر وضعف مجراها، وتلاشت زراعته وعطش سكانه، فقد تجاوز الجيران حق الجوار واستأثروا بمياه العراق مع بناء سدود حرمت الشعب العراقي من حقه في مياه دجلة والفرات، واتسعت حالة التصحر في العراق، ولن تنجو سوريا من طمع الجوار التركي في المياه السورية، وإذا كان النظام السوري الآن مشغولاً بتثبيت أموره الأمنية، فستصحو السلطات السورية مستقبلاً على محاولات تحويل مجرى المياه إلى داخل تركيا بلا اهتمام بما تحتاجه سوريا من المياه، ولن يبق الأردن والضفة الغربية سليمين من أطماع الجيران في مياههما، كما أن حال مصر والسودان مع سدود الحبشة لن تنجو من الاضطراب مع حالة انخفاض حصة مصر من مياه النيل.
ويلاحظ الآن سرعة التهديدات التي تفرزها تحولات المناخ العالمية مع ضرورات التحرك العالمي الجماعي لمعالجة التقلبات المناخية، بما فيها من احتمالات فيضانات في مناطق وجفاف حاد في مناطق أخرى.
وإذا كانت الدول المتقدمة في أوروبا وأميركا تتابع التحولات المناخية، وتسعى إلى تجنيد طاقات العالم للحد من خطورة التبدلات المناخية، فإن الدول النامية في آسيا وأفريقيا لم تظهر الاهتمام القوي للتنسيق والمشاركة، ولم تسع دول الخليج إلى الاتفاق في ما بينها على موقف موحد تنقله إلى المداولات العالمية حول أزمة المناخ، مع أنها دول بلا أنهر، معتمدة على برامج التحلية التي تعتمد على وفرة الغاز، وعلى نظافة بحر الخليج، وعلى التطورات التكنولوجية لتحلية المياه.
والحقيقة أن تقلبات المناخ وصلت إلى المنطقة العربية، والعراق أول ضحاياها، لغياب اتفاق عالمي موحّد يحافظ على حقوق الجميع، دول المنبع ودول المصب، والعراق الآن أبرز المعانين من سلطوية دول المنبع، فلم تترك لا تركيا ولا إيران احتراماً لحقوق الشعب العراقي.
ونحن في الكويت نتابع الجفاف الذي ضرب البصرة وأفقرها في مياهها وحرارتها غير المسبوقة، التي أضرت بمحصولاتها وبحياة شعبها، وندرك إفرازات هذه التبدلات على أوضاعنا في الكويت، ولذلك فإن الشراكة العالمية لهذه الأزمة هي الوصفة المناسبة لعلاج التهديدات الخطرة.
ومشكلة تحولات المناخ تتطلب فزعة عالمية تقودها دول الشمال المتطورة في التكنولوجيا، وصاحبة الخبرة في أجواء القطبين الشمالي والجنوبي، التي لها قواعد في تلك المناطق المتجمدة، تتابع ما قد يقع من تبدلات شمالاً وجنوباً.
هناك خطوات لا بد أن تتبناها دول الخليج، في التواجد في اللقاءات العالمية التي تناقش الموضوع، ويتم فيها التنسيق وتوحيد المواقف، لأنها دول تعيش على تكنولوجيا التحلية، التي توفرها الدول الصناعية المتقدمة، ولا تملك خيارات سوى مستجدات التكنولوجيا في عملية التحلية.
لن ينجو أحد من الأضرار التي ستشهدها الأسرة العالمية، في اتساع الجفاف واختفاء ماء بعض الأنهار وجفاف البحيرات، وتقلّص المنابع وانحسار المصبات، مع أزمات في الغذاء والطعام، وتزايد التوجه إلى تجديد فنون التحلية مع بروز تهديدات للأمن الوطني لجميع الدول، وزيادة تكلفة الحفاظ على مستوى معين من المعيشة.
لا بد أن تصعّد دول الخليج درجة متابعتها لأزمة المناخ، وتتواجد في المناقشات حول المستقبل، وتشارك في التوصيات التي تريد الأسرة العالمية تنفيذها.
وفي ما يخص دول المشرق العربي، فأولى خطوات التنسيق إجراء مفاوضات احترام دول المنبع لحقوق دول المصب، وأكثرها جدلاً إيران وتركيا، وهما غير بريئتين من الاحتفاظ بمياه دجلة والفرات على حساب العراق، وكذلك الحالة مع سوريا، التي تتأثر بمخططات تركيا للتحكّم بالمياه وإفقار حصة سوريا منها.
وهناك توجه عالمي للمزيد من الأبحاث في تكنولوجيا التحلية، ودور الخليج هنا ليس فقط متابعاً، وإنما يجب أن يكون مشاركاً في استثمارات التجديد والتطوير، حاضراً في مداولاتها، ومدافعاً عن حقوق الدول التي تتضرر من احتكار دول المنبع وتحكّمها بكمية المياه المسموح بها لدول المصب.
تعيش الأسرة العالمية الآن في ظل تهديدات لم تكن متوقعة، تصيب حياتها في الغذاء والمياه واضطراب حياة التنقل وشبكات المواصلات والاتصالات، وتتحول الحياة إلى مخاطر غير مضمونة المسار، فالكرة الأرضية الآن مهددة في وجودها، ولا بديل سوى العمل العالمي الجماعي.
وهنا تبرز ضرورة الإجماع العربي للإسهام في الوصول إلى مواقف محددة تتخذها الأسرة العالمية، هناك دول عربية ستتبدل أحوالها بيئياً ومادياً واجتماعياً وحياتياً، ولن يفلت أحد من تكلفة التبدلات وأثرها على أسلوب الحياة، فإذا كانت دول الخليج أفضل، لأنها تعتمد على البحر في توفير حاجاتها من المياه، فإنها لن تفلت من آثارها السلبية على دول الجوار، فالكويت تتأثر كثيراً بما يمس البصرة من تبدلات، ومصر من آثار السدود في أثيوبيا، والسودان ليس في مأمن، فالجميع يتعرّض لآثار سلبية تصيب استقراره وتمس سيادته، وتتعرض سلامة الدول وسيادتها إلى مخاطر ليست على البال.
في نوفمبر المقبل، وبدعوة من الجزائر، تنعقد القمة العربية لتبحث شؤون الأمة، وليس هناك أكثر تهديداً للمصير العربي من تبدلات المناخ التي ستمس الجميع، فقيراً وغنياً، متطوراً أو مبتدئاً، فإذا غاب الاستقرار عن المجتمع تصدعت قواعده وتسيدته الفوضى.
أعتقد أن قمة الجزائر هي الموقع المناسب لبحث الحقائق التي تهدد حياة الأسرة العالمية، ولكي تكون المنافسة العربية فعّالة، فلا بد من تحضير ملف يتضمن أبعاد التبدلات على الدول العربية ووسائل تخفيف الأضرار المتوقعة، مع الحرص على المشاركة في اللقاءات العالمية حول المناخ، مع الإسهام البنّاء في مداولات القمة العالمية.
مشكلة الدول العربية أن كلاً منها غاطسة في قضاياها الملحة حول التنمية وتوازن الدخل مع المصاريف وندرة العملة الصعبة، وغياب الإجماع الوطني وانحسار التصدير مع تراجع الإيرادات، وانخفاض الاستثمارات وغياب الانسجام الداخلي، وبعضها يعاني من حروب داخلية وانقسامات فرضت على مجلس الأمن الدولي أن يتدخل لتحقيق توافق داخلي، كما نتابعه حول أوضاع سوريا واليمن والصومال.
فهذا الواقع التعيس لا يسمح للدول العربية بالوقوف بصلابة أمام التغيرات المناخية، وليس لها بديل سوى المشاركة في الجهود العالمية للتعامل مع هذه المستجدات الخطرة.
وأتمنى أن تضع الجزائر بنداً واحداً أمام الرؤساء، وهي الحالة المناخية وتهديداتها للحياة، مع توجه نحو التكاتف مع جهود الأسرة العالمية، والمساهمة التي يجب أن تكون بحجم المخاطر التي تهدد جميع العرب في ديارهم، هذه هي مشكلة الوجود التي تواجه العالم، ونحن من هذا العالم، ونريد الاصطفاف مع هذا العالم لنضمن استقرار حياتنا وصون أمتنا.
* نقلا عن ” القبس “