مقالات عامة

.. وتوحدت المشاعر على قلب رجل واحد

د. مصطفى الفقي

هناك تكهنات غير صحيحة باحتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية المصرية المقررة في مارس المقبل، بسبب انطلاق العملية العسكرية التي تستهدف تنظيف مصر من بؤر الإرهاب، شمال سيناء ووسطها، وعلى امتداد الظهير الصحراوي، وصولاً إلى حدود مصر الغربية مع ليبيا، وداخل الدلتا، حيث تمارس جماعة الإخوان جرائمها الإرهابية، وأغلب الظن أن هذه التكهنات لا تعدو أن تكون مجرد شائعات كاذبة تطلقها جماعات معادية، هدفها بلبلة الرأي العام المصري، وإشعاره بغياب الاستقرار وأن كل شيء يمكن أن يحدث، بينما الحقيقة غير ذلك، لأن العملية العسكرية تمضي في مسارها المحدد وتسير وفق خريطة طريق محددة في ضوء الأهداف التي رسمتها قيادة العمليات، هدفها النهائي اجتثاث بؤر الإرهاب وجماعاته المحاصرة والمحصورة في نطاق مساحة، جد محدودة من أرض مصر.
بينما تمضي الحياة آمنة في جميع ربوع البلاد، لا تعيق خطط التنمية ومشروعاتها التي تنتشر في كل مكان، تعيد بناء مصر من جديد ولا تستطيع يد الإرهاب أن تطولها في إطار دولة آمنة ومستقرة، أصبحت بفضل استقرارها نقطة جذب مهمة لكثير من الاستثمارات العربية والأجنبية، حققت هذا العام معدلات تنمية جاوزت حدود خمسة في المئة، وتتنبأ مختلف المؤسسات المالية الدولية بقدرتها على رفع معدلات التنمية العام المقبل إلى حدود تتجاوز 5.5 في المئة، في دولة مستقرة تنفتح موانيها البحرية والجوية والبرية على كل أرجاء العالم، وتستعيد على نحو حثيث مكانتها مقصداً سياحياً جاذباً يأتيه السائحون من كل أرجاء العالم.
وكما تمضي الحياة في مصر آمنة مستقرة، تسير الانتخابات الرئاسية في إطار التنظيم الذي رتبت إجراءاته وحددت مواعيده الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، في إطار قواعد الدستور وقانون الانتخابات الذي ينص على مواعيد محددة لإجراء الانتخابات، لا علاقة لها البتة بالعملية العسكرية التي تحكمها الترتيبات والتوقيتات التي حددتها القوات المسلحة، وربما يسأل البعض أياً كانت دوافع السؤال، لماذا يجري الاستحقاق الانتخابي المتعلق بمنصب رئيس الجمهورية وسط أجواء معركة عسكرية قد لا تشكل المناخ المناسب لحوار وطني صريح؟
الأمر المؤكد أن الاستحقاق الانتخابي لمنصب رئيس الجمهورية تفرضه توقيتات حاكمة، حددها الدستور والقانون، لا مسوغ قانوني ولا مبرر عملي لتأجيلها، بل لعل مصادفة التوافق بين المعركتين الاستحقاق الانتخابي وتصفية بؤر الإرهاب، تكون خيراً من ألف ميعاد، إن كلل الله، بإذنه تعالى، جهود مصر ونجحت في اجتثاث جماعات الإرهاب، ومع ذلك فإن المعركة مع الإرهاب لم تشكل في ذاتها أي قيد على عملية الترشح أو الانتخاب في إطار قوانين ولوائح المؤسسة العسكرية التي تمنع كل من تحت الاستدعاء من الترشح إلا أن تأذن له المؤسسة العسكرية بالانصراف.. ومع الأسف ثمة من ينتقدون ذلك، وقد كان الأولى والأكثر استحقاقاً الالتزام الكامل والأمين بقوانين المؤسسة ولوائحها في هذا التوقيت، ومع الأسف أيضاً ثمة من يقلبون الباطل حقاً باجتراء بالغ يتسم بالبجاحة وسوء القصد!
وحسناً أن جاءت هذه المصادفة التي هي خير من ألف ميعاد ليرى العالم أجمع كيف وقفت مصر على قلب رجل واحد، كتلة حماس وصمود ودعاء بأن ينصر الله أبناءها البواسل في معركتهم الحاسمة ضد الإرهاب، وما يزيد من قيمة هذه المصادفة، ويرفعها إلى مرتبة الحدث الجلل، أن يدفع التوافق بين الحدثين، خروج الجيش المصري تحت إمرة قيادية موحدة لتصفية بؤر الإرهاب في جميع عموم أرجاء مصر، وخروج المصريين إلى صناديق الانتخاب في زخم عظيم، ليس فقط من أجل إعادة انتخاب السيسي رئيساً لمصر قادراً على بلوغ أهداف مهمته، ولكن من أجل تثبيت أهداف ثورة يونيو، عندما خرج 40 مليون مصري إلى الشوارع في حدث لا مثيل له في العالم أجمع، يشكّل أعظم ثورة إنسانية ضد الفكر الإرهابي المتخلّف لجماعة الإخوان التي خرج من تحت معطفها كل جماعات الإرهاب، يهتفون صيحة واحدة، يسقط حكم الجماعة والمرشد.
عملية أمنية شاملة تشمل كل أرجاء سيناء ومعظم أنحاء البلاد، تم التخطيط لها بدقة بالغة منذ جريمة مسجد الروضة التي راح ضحيتها أكثر من 300 شخص، هم أغلب أهالي القرية، تستند إلى كم ضخم ودقيق من المعلومات التي تم رصدها لعناصر تنظيم «داعش» في سيناء، وتشكيلات جماعة الإخوان المسلحة داخل قرى الدلتا والصعيد، وتحددت أهدافها وواجباتها على نحو مفصل، وتم توزيع مهامها على كافة الوحدات المشاركة، وشاركت فيها القوات الجوية التي قضت على العديد من أوكار الإرهابيين ومخازن أسلحتهم، وصادق على خطتها القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسبق تنفيذها تعزيزات قوية للجيش المصري لم يسبق لها أي مثيل، لم تترك شيئاً للمصادفة. وأظن أن هذا الخروج الذي يسد عين الشمس لقواتنا المسلحة في عملية سيناء 2018، يكفي شاهداً على أن مصر تعي جيداً أن تحرير سيناء من إرهاب «داعش» هي مهمة المصريين وحدهم، لا يحبون أن يشاركهم فيها أحد، وإذا كان البعض يتصوّر وهماً أن فلول «داعش» التي انتصرت في العراق وسوريا يمكن أن تجد في مصر قاعدة بديلة، فذلك عشم إبليس في الجنة التي لن يطولها أبداً.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى