وداعاً للسيادة
صادق ناشر
ينتظر السوريون باهتمام كبير النتائج التي ستسفر عنها التسوية السياسية المقبلة، المقرر أن تتبناها الأطراف المختلفة في مؤتمر يعقد في مدينة سوتشي الروسية في الثاني من شهر ديسمبر/ كانون الأول القادم، حيث من المتوقع أن يتبنى المؤتمر خطة سلام شاملة تعيد الجميع إلى طاولة الحوار، بعد أكثر من ست سنوات من حرب مدمرة غيرت ملامح البلاد جغرافياً وسياسياً.
وبعيداً عن الحسابات والآمال التي يحملها كل طرف في هذا المؤتمر، إلا أنه من الواضح أن سوريا التي ستتشكل في مؤتمر سوتشي، ليست سوريا التي عرفها أهلها، فقد تغيرت معادلات كثيرة في البلاد، وتحولت الكثير من الثوابت التي كان يتحدث عنها النظام السوري قبل الأحداث إلى مجرد ذكرى، فالسيادة لم تعد ذات أولوية في الخطاب الرسمي للنظام، بدليل أن الحديث عن تغيير في جوهر النظام السوري صار يطرح بقوة، خاصة ما يتصل بالحضور الأجنبي، بعد أن أعلن الروس، الذين قدموا مساعدات كبيرة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، أن قاعدتهم العسكرية في طرطوس ستبقى لمدة نصف قرن، بموجب اتفاق مع الأسد.
الأكثر من ذلك أعلنت إيران أمس على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، أن قوات إيرانية ستبقى في سوريا حتى بعد التسوية السياسية وانتهاء المعارك في البلاد، وقال جعفري إن الحرس الثوري الإيراني سيلعب دوراً نشطاً في تحقيق وقف إطلاق نار دائم في البلاد.
تتحدث الوقائع أن اللاعبين الأجانب في سوريا تزايدوا في السنوات التي دارت فيها الحرب، وسيدفع السوريون الكثير من سيادة بلدهم، حيث سيكون لكل من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة موطئ قدم في البلاد، وإن بنسب متفاوتة؛ فكل طرف من هذه الأطراف ساهم في تشكيل الخارطة الجغرافية التي عليها سوريا اليوم، وستكون السيادة لهذا البلد منقوصة، بعد أن كانت محل تفاخر من قبل القيادة السورية خلال السنوات التي شهدت البلاد خلالها ما عرف ب «موجات الربيع العربي»، التي أثرت في المشهد العربي كله، وليس فقط في سوريا.
سيكتشف السوريون كم هو فادح الثمن الذي دفعوه من تاريخهم وإمكانياتهم واستقرار بلدهم خلال السنوات الست الماضية، وقد كان بإمكانهم، كما هو حال بلدان أخرى، أن يقدموا تنازلات لبعضهم بعضاً، ويتجنبوا الدمار الهائل الذي ضرب الدولة المركزية وأصاب النسيج الاجتماعي في مقتل، وحتى لو كان هناك إجحاف في حق طرف ما، إلا أنه سيكون أهون مما هو عليه الحال اليوم، حيث عمّ الخراب كل جزء في البلاد.
من الواضح أن اللاعبين الدوليين الكبار يتقاسمون النفوذ في البلاد العربية، والشعوب تكتوي بنيران هذا النفوذ الذي يتسع مع مرور كل يوم، وفي النموذج السوري، ستدفع سوريا ثمن هذا النفوذ من ثرواتها وسيادتها على أرضها، بخاصة أن النظام يدين للعديد من هؤلاء اللاعبين بالفضل لبقائه صامداً، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة على أيدي خصومه، وهذا ما يمكن أن نسميه… وداعاً للسيادة.
sadeqnasher8@gmail.com