يا صالح.. أعقلها وتوكل
محمد سعيد القبيسي
تميّزت الثورة اليمنية بطابع ولون مختلفين عن باقي الثورات التي قامت في المنطقة، حيث انفرد الشعب اليمني بطريقة تعبيره باستخدام جميع أنواع الفنون الكتابية والشعرية والغنائية، وكل ذلك في سبيل إيجاد الوسيلة الصحيحة والبسيطة لإيصال رسالة (ارحل) للرئيس علي عبدالله صالح.
فمنذ بداية الثورة وإلى الآن والإعلام يظهر علينا في كل يوم عن صيحة أو صرعة جديدة للثورة اليمنية، بدءاً من الكلمات التي يتم طباعتها على اللوحات، أو القصائد والأغاني التي اشتهرت من خلال المواقع الإلكترونية وأولها موقع “يوتيوب”، الى آخر الصيحات وهي حلاقة الشعر على شكل كلمة “ارحل”, وأخيراً النساء والأطفال الذين كان لهم نصيب من المشاركة في هذه الثورة عن طريق نقش الحناء بكلمة “ارحل” على أيديهن، ورسم العلم اليمني على وجوه الأطفال، ولكن برغم كل هذا فالرسالة لم تصل، فصالح إما يعاني من قصر أو ضعف للنظر، وإما من معتنقي المثل الذي يقول “أذن من طين وأذن من عجين”.
لقد استنفد الشعب اليمني جميع الوسائل السلمية المتاحة في إيصال رسالته للرئيس صالح، ولم تجد تلك الوسائل إلا طريقاً مسدوداً دائماً، ما دفع ببعض الجماعات للقيام بعملية هجومية تستهدف الرئيس صالح، حيث اختارت صلاة الجمعة ليكون الرئيس ومعاونوه في مكان واحد عند التنفيذ، وبالفعل تم تنفيذ العملية ولكن لم تحقق ما كان مخططاً لها، فقد نجا صالح ولكن بجروح وحروق كادت أن تودي بحياته، وذهب بعدها في رحلة علاجية بالمملكة العربية السعودية امتدت الى 3 أشهر، ليعود بعدها الى اليمن أكثر إصراراً وعناداً في البقاء على رأس السلطة.
لقد كانت الآمال والأنظار تتابع عودة صالح الى اليمن بكل شغف بعد انتهاء فترة علاجه، حيث إن التوقعات كانت تشير إلى تسليمه السلطة الى نائبه والتنحي عن الحكم، ولكن ما رأيناه منذ عودته الى الآن وزيادة العنف لدى الجيش باتجاه المتظاهرين وسقوط العديد من القتلى والجرحى يومياً لا يبشر بأي بوادر او نية لتنحيه عن السلطة.
حيث أعلن في عدة مناسبات أن خوفه على اليمن هو ما يبقيه الى الآن في السلطة، وأن هناك مؤامرات وخططاً تُحاك لقلب الحكم عليه وذلك بالتعاون مع الإخوان المسلمين والقاعدة، ويبدو أن مبدأ المؤامرات والانقلابات هو الذي يعتنقه رؤساء الأنظمة التي ثارت عليها شعوبها الآن، أو الشماعة التي يعلق عليها هؤلاء اخطاءهم.
ويرى صالح أن هناك مخاطر كبيرة تهدد أمن الوطن، وأن التظاهرات والاحتجاجات الشعبية لم تعد سلمية، وباتت تشكل الخطر الاكبر على الوطن وتهدد مصالحه، وتحول أغلب هذه التظاهرات الى غير سلمية هو ردة فعل طبيعية للمتظاهرين ضد ما يقوم به الجيش من استخدام للقوة والعنف في تفريقهم.
والسؤال الأهم هنا والذي يطرح نفسه في وقتنا هذا هو: هل يعي صالح ما يحدث في اليمن؟
وهل يعي أن وظيفته هي لليمن والشعب اليمني وليس عكس ذلك؟ وأن استمرار وجوده على رأس السلطة الى الآن هو الخطر بعينه؟ وأن مصلحة اليمن واليمنيين هي تنحيه عن السلطة بشكل سلمي؟
الرسالة التي يجب على صالح ان يأخذ بها الآن هي العبرة من الثورات المجاورة، وأن يرى ما حدث للذين من قبله، أو ما وصلوا اليه الآن من أوضاع لا يحسدون عليها، فـ”بن علي” لايزال هارباً من بلده ومن الأحكام التي تنتظره، ومبارك مسجون بانتظار محاكمته, والقذافي قتل ودُفن في الصحراء وحيداً مع ابنه المعتصم في مكان لا يعلمه أحد، أما هو الآن فمصاب وشبه محروق نتيجة للعملية الهجومية التي تعرض لها، وكل هذا ولم يعتبر؟
إن بقاء صالح في السلطة بانتظار موافقة الشعب على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة لن يجدي شيئاً، ولا تفويض لمجلس عسكري يتولى الحكم من بعده سوف يشفع له، فلا يوجد الى الآن غير طوق النجاة الوحيد، وعليه أن يتطوق به وأن ينجو بنفسه من أمواج المتظاهرين في بحر هذه الثورة الشعبية، وهو التوقيع على المبادرة الخليجية بأسرع وقت ممكن، والخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، وحقن دماء الشعب اليمني، حيث ستضمن هذه المبادرة عدم ملاحقته مستقبلاً والعيش بسلام في بلده وبين أهله، وأن المفاوضات والمناوشات التي يتبعها الآن لن تكون في صالحه إذا تم سحب المبادرة الخليجية، حينها لن ينفع الندم، فهمسة في أذن صالح “أعقلها وتوكل”.