مقالات عامة

يوم التأسيس.. التاريخ العميق لا يرثه سوى من يستحقه

علي الخشيبان

هويتنا السعودية أثبتت أنها قادرة على أن تصهر هذه المساحات الجغرافية والإرث التاريخي في نموذج مميز اسمه (المملكة العربية السعودية) فلا أحد يستحق أن يكون امتداداً لتاريخ، مثل تاريخ الجزيرة العربية، سوى السعودية، لأنها الدولة التي تستحق أن ترث هذا التاريخ..

نحن السعوديين ولتاريخ طويل مر عبر ثلاثة قرون مضت تميزنا بارتباطنا المباشر بقادة هذا الوطن وأخذنا هويتنا من إنجازات تأسيس هذه الدولة، وهذا ما ميزنا عن غيرنا من جيراننا في المنطقة، ومنذ انطلاقة السعودية في أوائل القرن الثامن عشر، أصبح مفهوم السعودية مرتبطاً بمساحة جغرافية تشكلت فوق تاريخها هويتنا الوطنية التي استطاعت أن تدمج التنوع الثقافي والقيمي الذي تشكلت منه جغرافيا وتاريخ الجزيرة العربية، هويتنا الوطنية ليست استثناء فكل الدول تعلق هويتها الوطنية على مفاهيم تاريخية تشكلت من خلالها تلك الدول، ونحن في السعودية نمتلك تاريخاً نفخر به، وبطولات صنعت على مدى ثلاثة قرون، لذلك أصبح تاريخنا السعودي أساس هويتنا الوطنية والمفتاح التاريخي للكثير من التصورات التي صنعها ماضينا وحاضرنا حول هويتنا فنحن جزء من منطقة تميزت بالعمق التاريخي.

لقد استطاع تاريخ الدولة السعودية خلال ثلاثة قرون مضت كبح كل وسائل القوميات المفرطة والانتماءات المتشرذمة التي تغذي التفرقة وتحارب التوحد تحت هوية وطنية موحدة، فعندما نسأل السؤال الأهم كيف استطاعت السعودية أن تبني تاريخها عبر ثلاثة قرون قابلة للامتداد الزمني والاستمرار في ذات الطريق؟ الإجابة ليست سهلة؛ فالجزيرة العربية هي من أقدم الجغرافيا التي سكنها البشر، ولكي تصنع هوية فوق هذه الأرض بعمقها التاريخي فلن يكون من السهل الوصول إلى ذلك، فهي تاريخ متراكم فوق بعضه وعميق وصلب ومميز، ولذلك لن يقبل هذا التراكم التاريخي للجزيرة العربية إلا هوية تتميز وتتفوق بعناصر تكوينها لتكون مؤهلة بحق كي تكون امتداداً طبيعياً لتاريخ غائر في الزمن.

لقد استطاعت الدولة السعودية وعبر ثلاثة قرون مضت أن تثبت للتاريخ قبل قرائه أنها الأجدر بأن تمتلك زمام الامتداد لطبقات تاريخية عميقة تشكلت من خلالها أرض الجزيرة العربية، الفارق الأهم الذي صنعته الدولة السعودية خلال الثلاثة قرون الماضية أنها استطاعت أن تغطي بهويتها المساحات الجغرافية والتاريخية التي كان يصعب جمعها تحت هوية واحدة، لذلك لا يمكن اختراع هوية أكثر ترابطاً في مساحة الجزيرة العربية من الهوية السعودية، لقد استطاعت الدولة السعودية وخلال قرونها الماضية أن تنجح في بناء نظام سياسي متفوق على الجميع استطاع الثبات في مراحل متعددة من تاريخ المنطقة الذي مر بعواصف استطاعت اقتلاع الكثير من الدول بينما بقيت السعودية قادرة على الصمود حتى في المرات التي اختفت فيها الدولة السعودية إلا أنها كانت تنهض بسرعة وتعود إلى الواجهة التاريخية من جديد.

هذه الأيام تحتفل السعودية بيوم التأسيس، ومن وجهة نظري الخاصة فإن هذه المناسبة تشكل عمقاً وطنياً مهماً تلعب فيه مسألة التاريخ الوطني للسعودية دوراً مهماً حيث يتطلب من الجميع المساهمة في الترويج لمنعطف تاريخي مهم، فلم يكن من السهل تأسيس الدولة السعودية فوق جبل راسخ من التاريخ، ولكن الأجداد الذين بنوا هذه الدولة استطاعوا الثبات والصعود إلى قمة تاريخ الجزيرة العربية وأسسوا فوق قمته الدولة السعودية التي ننعم حالياً بمنجزاتها وثباتها حيث أصبحت حقيقة تاريخية مضيئة في هذا العالم وفق معطياتها التي أسست من خلالها، فهي بلد الحرمين الشريفين وملتقى قارات العالم ومصدر طاقته.

في الحقيقة نحن اليوم في السعودية ومع هذه المناسبة الكبيرة (يوم التأسيس) نميز أنفسنا في قراءة هويتنا ودمجها في عملية مختلفة وشكل جديد من كتابة تاريخنا وعرض قصصه وأبطاله، لقد تجاوزنا مرحلة رصد التاريخ لننتقل إلى نمط مختلف من صناعة الهوية عبر استثمار كل ما تتيحه لنا الحضارة والتكنولوجيا من تطورات، فالهوية السعودية تدخل اليوم مرحلة الاندماج مع واقع متطور وهو ما يتطلب الابتعاد عن المسار التقليدي للتعريف بهويتنا السعودية.

اليوم نحن نمتلك هوية سعودية مكتملة يدعمها الماضي والحاضر ويسندها المستقبل، وهي لا تستبعد أي مكون من مكونات جغرافيا السعودية، بل أثبتت الهوية السعودية قدرتها على صهر الجميع في بناء سعودي مميز يعيش تحت ضوء قوتنا التاريخية المستمرة، لقد استطاعت القيادة السعودية أن تبني تضامنات قوية وهوية راسخة نحتفل هذه الأيام باستعادتها عبر يوم التأسيس وهو اليوم الذي يمتد أثره بعيداً عن أحداث المناسبة أو احتفالاتها إلى الإحساس بأن مسار هذا الوطن يكبر ويترعرع في ظل عمليات التثبيت الدائمة التي صنعها تاريخ هذا الوطن، رسالتنا في هذا اليوم أن هويتنا السعودية أثبتت أنها قادرة على أن تصهر هذه المساحات الجغرافية والإرث التاريخي في نموذج مميز اسمه (المملكة العربية السعودية) فلا أحد يستحق أن يكون امتداداً لتاريخ مثل تاريخ الجزيرة العربية سوى السعودية لأنها الدولة التي تستحق أن ترث هذا التاريخ.

*نقلاً عن “الرياض

زر الذهاب إلى الأعلى