غير مصنفة

يَمن ما بعد صالح

صادق ناشر

البكاء والندم على رحيل الرئيس السابق علي عبد الله صالح لن يقدم أو يؤخر في شيء، فحادثة مقتله طواها الزمن، الكفيل بإظهار الحقائق في كيفية تخلص خصومه منه، وعلى أنصاره ومحبيه ألا يتوقفوا عند ملابسات وطريقة موته، بل في كيفية الاستفادة مما حدث لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة، صحيح أن طريقة مقتله كانت بشعة وذكّرت الناس بعملية التخلص من الزعيم الليبي معمر القذافي، مع فارق أن القذافي قتل أثناء فراره خارج طرابلس، فيما صالح مات وهو يحمل بندقيته في منزله المحاصر بالدبابات حتى آخر لحظة، إلا أن الأهم اليوم ليس التوقف عند هذه النقطة، بل تجاوزها إلى ما هو أهم، والمتمثل باستعادة ما تبقى من دولة على علاتها، والانطلاق لتصحيحها.
اليوم هناك حقيقة لا جدال حولها، وهي أن صالح، ترك إرثاً سيكون ثقيلاً على الراغبين في مواصلة مشروعه من حيث انتهى، وليس من حيث بدأ، ونقصد بمشروع صالح ذلك الذي قرر فيه خلال أيامه الثلاثة الأخيرة، أن يتخلص من أخطاء الـ 39 عاماً في الحكم والمعارضة، مشروع مقاوم لمشروع الموت الذي تحمله الجماعة الخارجة عن التاريخ، وكما يقال «الحي أبقى من الميت»، فإن من يحمل مشروع صالح عليه أن يواصل تحقيقه في مقاومة مشروع الموت، الذي تبشر به جماعة الحوثي للشعب اليمني كله.
انتهى صالح ودفنت معه الدولة التي ساعد في بنائها على أساس هجين من التحالفات السياسية والقبلية، ولم تنتج إلا دولة مشوهة، لم تتمكن من حماية الشعب من الانزلاق إلى متاهات العبثية التي نراها تتجسد اليوم، حيث فشلت في اختبار مواجهة مشاريع الموت التي صارت تتوافد على اليمنيين من خارج حدودهم مبشرة إياهم بالعودة إلى حظيرة «السيد» و«ولاية الفقيه»، والمفارقات أن صالح هو من منح هذه المشاريع الفرصة لتتسيد المشهد في اليمن اليوم.
يتداعى اليوم الكثير لمواصلة وحمل الرسالة التي تركها صالح وهو في مترسه الأخير، الرسالة التي لخص فيها موقفه عندما رفض الاستسلام لقاتليه عرضه وسطاء قدموا إلى منزله وهو تحت الحصار، حيث قال إنه لن يستسلم للموت، وأنه إما يعيش بكرامة أو يقتل بشرف، حيث يرى كثيرون أن موقف اللحظات الأخيرة من حياة الرجل، ربما يشفع له أخطاء 33 سنة في الدولة وست سنوات في المعارضة، بعد أن قرر أن يعيد اليمن إلى حضنها العربي، في مواجهة مشروع تحمله جماعة الحوثي للالتحاق بإيران.
اليمن بعد علي عبد الله صالح لا شك أنه مختلف، فالرجل كانت له بصماته في الدولة والمجتمع القبلي، وكان من أمهر السياسيين الذين حكموا اليمن، وأكثرهم فهماً لتعقيدات مجتمعه المتداخل، لكن ذكاءه خانه عندما اعتقد أن اليمنيين قادرون على التعايش مع جماعة الحوثي، التي لا تحمل من مشروع سوى الموت، وبالطبع الموت لليمنيين وليس لأمريكا ولا لـ«إسرائيل»، فالدم الذي سال ويسيل في كل أرجاء اليمن والضحايا الذين سقطوا ويسقطون كل يوم والدمار الذي لحق بالبلاد وتشرد ملايين الناس تتحمل الجماعة وحدها المسؤولية عنها.

sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى