قضايا ودراسات

أطفال في مقبرة الملح

يوسف أبو لوز

الطبيعة الجغرافية الانحدارية لمنطقة الجبال المطلّة على الأغوار الأردنية والبحر الميت بدءاً من جبل «نيبو» غربي مأدبا وحتى الشونة تسهّل وقوع انجرافات وسيول منحدرة نحو البحر، ومن ناحية اجتهادية أو افتراضية ليس مستبعداً أن تكون هذه السيول قد جرفت بعض المفقودين في حادث الرحلة المدرسية المنكوبة إلى البحر الميت الذي أطلق عليه هذا الاسم لانعدام حياة أي كائن فيه نظراً لملوحته المرعبة، وفي الموسوعة الحرّة، هو بحيرة ملحية مغلقة تقع في أخدود وادي الأردن، ويشتهر البحر الميت بأنه أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية، وتفيد الموسوعة أيضاً أن 23 وادياً وسيلاً تصب في البحر الميت من جهة الغرب فضلاً عن خمسة أودية تغذيه من ناحية الشرق، ومن الأودية التي تتشكل فيها مجاري السيول: وادي داود، وادي المربّعات، وادي قدرون، وادي السيال.. وغيرها من أودية وسيول.
كل هذا الماء العذب المنساب إلى البحر الميت وعبر التاريخ والحضارات من خلال الأودية والسيول لم يخفف من ملوحته.. وسرعان ما يتحول ماء السيول إلى ملح قاتل للأحياء المائية البحرية.
عند الغروب، ومن فوق رأس جبل «نيبو» الذي يقع فيه دير قديم يمكن مشاهدة جانب من البحر الميت، وأكثر من ذلك، يمكن التدقيق جيداً في هذا المشهد المسائي بحيث تستطيع أن ترى أضواء بعيدة لمدينة القدس، وفي مقابل السلسلة الجبلية جهة جبل نيبو هناك في البعيد سلسلة جبلية في فلسطين، وآخر نقطة فيها هي مدينة أريحا شمال البحر الميت، وتعود أريحا إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، و«أريحا» اسم كنعاني ويعني «القمر» وهي أخفض مدينة في العالم في غور زراعي يشتهر بأشجار الحمضيات والموز والزراعات الخضرية.
في هذا القوس الجبلي الذي يحيط بالغور ونهر الأردن ويطل على البحر الميت نشأت حضارات قديمة، وجرى العثور على لفائف ووثائق ومخطوطات على درجة كبيرة من الناحية التاريخية، والانثروبولوجية، ولم يحدث أن ذكر عن كارثة مثل تلك الكارثة التي وقعت لأطفال الرحلة المدرسية في الأردن قبل أيام، 21 قتيلاً معظمهم أطفال، وأكثر من 35 بين جريح ومفقود.
ولكن مرة ثانية، سنعود إلى رواية «أحياء في البحر الميت» للكاتب الأردني الجريء مؤنس الرزاز، وهي الآن، تبدو وكأنها رواية نبوئية استشرافية على نحو ما، وهي قبل ذلك رواية كابوسية إن جازت العبارة.. ومن عنوانها، يمكن مقاربتها مع كابوسية مشهد انجراف الأطفال وتحطّم أجسادهم الصغيرة تحت جبروت اندفاع الماء بين الصخور المنحدرة بجنون نحو الماء القاتل.
إذا وصلت بعض هذه الجثث الطفلية الصغيرة إلى البحر المالح فلن تأكلها الأسماك، لأنه لا أسماك في البحر.. بل فيه هوامير وحيتان، وضحيته هذه المرة كانت أطفالاً لم يروا وطنهم جيداً.

yabolouz@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى