قضايا ودراسات

انتخابات جديدة لإنقاذ الديمقراطية في البرازيل

غلين غرينوالد

بعد سلسلة الفضائح التي كشفت عنها تحقيقات الفساد في البرازيل، وانفضاض المؤيدين للرئيس من حوله شيئاً فشيئاً، يبدو إجراء انتخابات جديدة، هو المخرج الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الديمقراطية في هذا البلد.
عندما تمّ تثبيت ميشال تامر رئيساً للبرازيل قبل أقل من عام، بعد اتهام الرئيسة المنتخبة ديلما روسيف، كان التبرير الوحيد الذي قدمته وسائل الإعلام الرئيسية، هو أن تامر سوف يجلب الاستقرار والوحدة إلى البلاد التي تُحْدق بها أزمة سياسية واقتصادية. ومنذ البداية كان العكس صحيحاً: فقد كان تامر وحلفاؤه المقربون تجسيداً للفساد، والخلاف وعدم الاستقرار، والسلوك المخزي، أكثر من أي شيء سبقهم. وقد انهارت شعبيته إلى ما دون عشرة بالمئة.
ولكن ظهور أدلة في 17 مايو/ أيار 2017، تبين عدم نزاهة تامر وفسادَه، يجعل الوضع غير قابل للحفاظ عليه والدفاع عنه أبداً. فالتسريبات من التحقيق الجاري، تكشف أن تامر قد ضُبط متلبّساً، في تسجيل صوتي، في مارس/ آذار، وهو يؤيد عملية دفع رشاوى جارية من قِبل مسؤول تنفيذي، من أجل الحفاظ على صمت «إدواردو كونْها»، رئيس مجلس الشيوخ، الذي كان قادراً على كل شيء، ويقبع في السجن الآن، والذي تصَدَّر اتهام ديلما روسيف، وينتمي إلى حزب تامر. وكان تامر قد واجه بالفعل ادعاءات بالتورط العميق في رشاوى وإسهامات مالية غير قانونية، ولكنْ أمكنَ التغاضي عن ذلك، بسبب عدم وجود دليل دامغ، خلافاً للحال الآن.
وفي الوقت نفسه، فإن خصم ديلما في حملة انتخابات الرئاسة لعام 2014، السناتور المحافظ، إيسيو نيفيس، الذي قاد حزبُه اتهامَ ديلما ويسيطر الآن على حكومة تامر، قد ضُبِط متلبّساً في تسجيلات صوتية يطلب فيها مليونيْ ريال، من أحد رجال الأعمال. وقد طُرد من مجلس الشيوخ يوم 18/ 5، بقرار من المحكمة العليا، وتمت مداهمة مكتبه، وهو يواجه الآن عقوبة السجن الفوري. كما سُجنتْ شقيقته إيسيو، في اليوم ذاته، كجزء من تحقيقات الفساد.
وخلاصة القول، إن الشخصين الرئيسيين اللذيْن كانا وراء اتهام ديلما، قد انفضح أمرهما الآن، وتبين أنهما مجرمان متمرسان، بأدلة موثقة – تسجيلات صوتية، وتسجيلات فيديو، وحوارات على الإنترنت- سوف يشاهدها البرازيليون، ويسمعونها ويقرؤونها في القريب العاجل. والنوع ذاته من الأدلة الدامغة التي ظلت وسائل الإعلام البرازيلية المتحيزة على نحو فاضح، تبحث عنه دون طائل، ضدّ ديلما، تمَّ اكتشافه للتوّ ضدّ الشخصين الرئيسيين اللذين قادا اتهامَها، واللذيْن تمّ تعيين أحدهما رئيساً.
والقول إن الوضع- رئاسة تامر الجارية- غير قابل للحفاظ عليه واستدامته، لا يفيه حقه من السوء. كيف يمكن لبلد كبير أن يُحكَم من قِبل شخص، يَعرف القاصي والداني، أنه كان قبل بضعة شهور فقط، يؤيد دفع رشاوى للحفاظ على صمت شهود رئيسيين في تحقيق في الفساد؟ والأساس المنطقي الوحيد لرئاسة تامر- وهو أنه سيجلب الاستقرار، ويومئ للأسواق بأن البرازيل مفتوحة للمستثمرين من جديد- انهار للتوّ في كومة من الخزي والخراب.
وفي هذه الفترة من الزمن، تبدو إزالة تامر- بطريقة أو بأخرى- أمراً لا مناص منه. فعلى الرغم من أنه يرفض في اللحظة الراهنة أن يستقيل، فإن حلفاءه الرئيسيين ينفضّون من حوله. ونجوم وسائل الإعلام الذين أوصلوه إلى سدّة الحكم، ينبذونه الآن. وهنالك نقاشات علنية تدور في كل مكان، حول الآليات التي سوف تُستخدَم لإزالته واستبداله.
وحتى بالنسبة إلى سماسرة السلطة الوضيعين في برازيليا، فإن ضبط الشخص متلبّساً في التسجيلات، وهو يشارك بشكل مباشر في إجرام سافر، يُفقده الأهلية: لا للبقاء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، بل لشغل منصب الوجه الرمزي للبلاد أمام العالم، وأهمّ من ذلك، أمام أسواق رأس المال. والجديد ليس أن تامراً فاسدٌ: فالجميع يعرفون ذلك، بما في ذلك مَن أوصلوه إلى الرئاسة. الجديد هو أن الأدلة الآن مُحرجة للغاية- ومُفسِدة لمشروعهم للغاية- إلى درجة لا تسمح له بالبقاء.
كان ذلك دوماً هو المفارقة المفرطة، الكامنة في صلب اتهام ديلما، فإزالة الرئيسة المنتخبة ديمقراطياً باسم محاربة الإجرام، كانت مهزلة كبيرة، لأن إزالة ديلما، سوف ترفع وتمكّن الزُّمَر الأكثر فساداً، والمجرمين واللصوص الأشدّ خبثاً، وتجعلهم قادرين على حكم البلاد دون فوزهم في انتخابات.
والسؤال الرئيسي الآن، هو، ماذا سيأتي بعدُ؟ كان المعارضون منّا لعزل الرئيسة يقولون بصورة متكررة، إنه إذا كانت ديلما سوف تُعزل حقّاً، فإن انتخابات جديدة فقط – حيث يقوم المواطنون، لا عصابة المجرمين في أروقة السلطة، بانتخاب رئيسهم الجديد- يمكن أن تحمي الديمقراطية البرازيلية.

صحفي ومؤلف ومحامٍ أمريكي موقع: «ذي إنترْسِبْت»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى