بدأ العد التنازلي لعدوانية الملالي
محمد آل الشيخ
يبدو أن الولايات المتحدة جادة هذه المرة في الضغط على نظام الملالي في إيران بالشكل الذي يضعه أمام ثلاثة خيارات، فإما تغيير سلوكياته العدائية تجاه جيرانه، أو الإذعان للشروط الأمريكية، وإما السقوط.. فالعقوبات كما يقول الأمريكيون هي الأقسى في تاريخ الولايات المتحدة تجاه الدول المارقة كما يسمونها.. وهنا أريد أن أوضح نقطة تتعلق بالدول الثماني المعفاة من مقاطعة شراء النفط الإيراني، فهذا العفو ليس دائماً وإنما محدود الزمن، أيّ أنه سينتهي خلال عدة أسابيع كما ذكر وزير الخارجية الأمريكي بومبيو.. النقطة الثانية: إن المردود المالي لهذه المبيعات سيوضع في حساب بنكي خارج إيران بما يضمن أن يتم صرفه على الداخل الإيراني، وعلى شكل سلع وخدمات، بحيث لا يذهب إلى الميليشيات والأذرعة الإيرانية في الخارج.
والسؤال الذي يطرحه السياق هنا: هل تأثير هذه العقوبات سينعكس على الأوضاع الاقتصادية بشكل آني أو سريع؟.. أنا لا أعتقد ذلك، ولا أعتقد أن الأمريكيين يتوقعون ذلك أيضاً: فالنظام الإيراني على ما يبدو قد استعد لهذه العقوبات منذ زمن بتخزين كميات من النفط خارج الجغرافيا الإيرانية، الأمر الذي سيُمكنه في البداية من المقاومة وامتصاص الصدمة نوعاً ما، لكن هذه القدرة على المقاومة ستضعف بلا شك يوماً بعد الآخر، بالشكل الذي يجعل هذه العقوبات مع الزمن تؤدي أغراضها.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، كما ذكر سياسيوها، لا تسعى إلى انهيار النظام بالكامل، وإنما إلى تقويم سلوكياته، وكبح جماح طموحاته، سواء من حيث منعه من امتلاك القدرات النووية، أو الصواريخ البالستية التي هي جزء لا يتجزأ من هذه القدرات النووية؛ كما أنها في الوقت ذاته تريد أن تقطع أذرعته الميلشياوية، والتي تهدد بها دول الجوار وتمول بها الإرهاب. أما إسقاط النظام بالكامل فلا أعتقد أن الأمريكيين يسعون إليه، فسقوط النظام كما حصل مع نظام صدام في العراق سوف يخلق حالة مشابهة بالحالة العراقية، ولكن بنسخة شيعية.. الأمر الذي ستكون له انعكاسات خطيرة على استقرار وأمن المنطقة برمتها.
وكما قلت في مقالات سابقة فإن أول المستفيدين من تقليم أظافر نظام الملالي هم الإيرانيون أنفسهم، إذ إن هذه العقوبات الصارمة ستجعلهم يقتنعون أن العيش بعقلية العصور الوسطى التوسعية، وإهمال الإنسان إهمالاً شبه كامل أمر متعذر في عالم اليوم، وأن الدول الدينية ذات العقليات التوسعية لا يمكن أن يقبلها العصر الحديث، وهذا – عاجلاً أم آجلاً-؛ سيعيد الولي الفقيه إلى رشده، ويجعله مضطراً للحفاظ على الدولة من السقوط، ونسيان شيء يُسمى تصدير الثورة، التي كانت من أهم وصايا خميني قبل هلاكه.. لأن تحقيق أمرٍ كهذا يعني أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء. غير أن احتمال أن تتفاقم الأوضاع.. ويصر الملالي على التحدي والصمود، أمر وارد وإن كان أمرا بعيد الاحتمال.
تراجع نظام الملالي عن طموحاته، ولجوءُه إلى العقلانية، والتعايش السلمي مع جيرانه، هو ما يتمناه العالم أجمع، بما فيها دول الجوار، التي أذاها هذا النظام طوال أربعة عقود خلت.
* نقلاً عن “الجزيرة“