«سوتشي» على مفترق طرق
يونس السيد
بعد أكثر من شهرين على الاتفاق الروسي- التركي في «سوتشي»، بشأن إقامة المنطقة العازلة في إدلب ومحيطها، لم يتغير الواقع كثيراً على الأرض، باستثناء تراجع حدة العنف حيناً وتصاعده في معظم الأحيان، ما جعل الاتفاق يترنح في الأيام الأخيرة تحت وطأة التصعيد المتبادل، ويضعه أمام مفترق طرق بانتظار حسم الملف في اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.
منذ 17 سبتمبر الماضي، لم يكد يمر يوم دون أن تحدث اشتباكات وخروقات في المنطقة العازلة، والتي يفترض أنها منزوعة السلاح، سواء من جانب الفصائل المسلحة أو من جانب قوات النظام وحلفائه، إذ سرعان ما تبين أن الإعلان التركي عن سحب السلاح الثقيل وخروج الفصائل المسلحة من تلك المنطقة، ليس صحيحاً، وإن كانت أنقرة اعتبرت أنها أنجزت المهمة، وحوّلت اهتمامها إلى شرقي الفرات. فالتصعيد الأخير والهجمات المتبادلة في مناطق مشمولة بالاتفاق، تؤكد أن مقاتلي الفصائل لم يغادروا مواقعهم داخل المنطقة العازلة وإنما قاموا بتعزيزها وتحصينها، بينما استمر تهديد النظام بعملية عسكرية واسعة، ما يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، أي إلى ما قبل اتفاق «سوتشي».
لكن هنا يبرز السؤال أين الدوريات الروسية والتركية التي كلفت بضمان وقف إطلاق النار؟. اللافت أن روسيا ظلت حتى الأيام القليلة الماضية، تدافع عن الجهود التركية في تنفيذ الاتفاق، إلى أن اضطرت أخيراً للاعتراف بأن تركيا فشلت في عملية التنفيذ وأنها لم تنجح في فصل «المعارضة المعتدلة» عن تلك المصنفة بأنها «إرهابية»، وهو الأمر الذي سيكون في صلب محادثات بوتين وأردوغان، والتي ستؤشر نتائجها إلى تطور مسار الأحداث، من دون أن نسقط من الحسبان، حرص الطرفين على تثبيت الهدنة والتوافق بما يمهد لتعبيد الطريق أمام اجتماع الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) في إطار مسار «أستانا»، الذي سيعقد في نهاية الشهر الحالي، خصوصاً أنه مطالب بحل مسألة اللجنة الدستورية التي التزمت بها موسكو وجرى التأكيد على تشكيلها قبل نهاية العام الحالي خلال القمة الرباعية التي جمعت في إسطنبول كلًّا من روسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا في نهاية أكتوبر الماضي.
وهذه المسألة بالذات (اللجنة الدستورية) هي ما تعول عليه واشنطن لإحراز تقدم في حل النزاع السوري، إذ إن واشنطن التي حددت موقفها في سوريا، على لسان مبعوثها، جيمس جيفري، بثلاثة أهداف، أولها بقاء القوات الأمريكية في سوريا لضمان عدم عودة «داعش» بعد هزيمته نهائياً، وثانيها إخراج القوات الإيرانية وميليشياتها من دون الصدام المباشر معها، وذلك يتم من خلال محاولة إقناع الروس بذلك، وفق اعتقاده، وثالثها العودة للعملية السياسية لإنهاء النزاع، ومفتاح هذه العودة هو اللجنة الدستورية بما يضمن إجراء تغييرات واسعة في بنية النظام السوري حتى لو لم يؤدِّ ذلك إلى إسقاط النظام.
لكن في حقيقة الأمر، تبدو الأهداف السياسية للاعبين الأساسيين في سوريا متناقضة إلى حد بعيد، قد يجعل من مسألة إيجاد حل للصراع، هدفاً بعيد المنال، وفي نهاية المطاف، فإن كل هذه الحسابات ستظل خاضعة للتطورات الميدانية على الأرض.
younis898@yahoo.com