قضايا ودراسات

من هم أصدقاؤنا؟

د. حسن مدن

المقصود بالسؤال نحن العرب. هل لدينا تصور عمن هم أصدقاؤنا في العالم، ونحن نقرأ، أو على الأقل نشاهد، الخريطة السياسية العالمية الراهنة بما تشهده من تحولات، إن لم نقل عنها بأنها عاصفة، فهي تحمل في طياتها نذر العاصفة، حكماً مما نراه، وما يعتمل تحت السطح من ميول قد نجدها في القريب أمراً واقعاً؟
في الحقبة الناصرية جرى حديث عن «صداقة» مصرية – سوفييتية، وهو وصف ينطوي على درجة من الصحة، فالسوفييت ساعدوا عبد الناصر في بناء السد العالي حين رفض الغرب ذلك، ودفعوا بإبرام صفقة السلاح التشيكوسلوفاكية الشهيرة مع مصر يوم رفض الغرب تسليح الجيش المصري في مواجهة العدوان «الإسرائيلي»، بل إن موسكو قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع «إسرائيل» بعد عدوان 1967، واستمرّ ذلك سنوات طويلة بعد ذلك. هذا فضلاً عن التعاون في مجالات التنمية والتعليم والثقافة.. إلخ، واستمروا في هذا النهج طويلاً.
سيقول قائل: إن السوفييت لم يفعلوا ذلك من أجل عيون عبد الناصر أو حباً في مصر، وإنما فعلوه في إطار حربهم الباردة مع الأمريكان والغربيين عامة.
حسناً، فليكن الأمر كذلك، ولكنه عاد بمنافع كبيرة على مصر وعلى دول عربية أخرى، لكن كل هذا بات في حكم الماضي، حتى قبل أن يتفكك الاتحاد السوفييتي نفسه، لذا فإن البحث عن «صداقة» مماثلة في عالم اليوم لم يعد متاحاً.
روسيا بوتين لا تختلف، من حيث الجوهر، عن الدول الغربية في علاقتها مع العرب اليوم. أي أنها علاقة براجماتية، تبتغي المصالح، وحتى لو لم تكن موسكو على نفس الدرجة من الانحياز ل«إسرائيل»، فإنها تراعي ما تصفه ب«مصالح» و«أمن» الأخيرة، وهذا واضح في طريقة إدارتها للأزمة السورية.
لكن، ومن الجهة الأخرى، علينا ملاحظة أن التجربة برهنت على أن وضع البيض كله في السلة الغربية، والأمريكية بوجه خاص، لم يعد ولن يعود على العرب بالنفع. وهذه العلاقة، خاصة في عهد ترامب الحالي، باتت تجنح أكثر فأكثر نحو الابتزاز المالي، الذي بات علنياً ومبتذلاً.
ربما لم يفت الأوان بعد على بلورة سياسات عربية في العلاقات مع القوى العالمية، مبنية على التوازن، وقراءة التناقضات بين هذه القوى بصورة واقعية، كي لا نجد أنفسنا أسرى علاقات خاصة مع قوة وحيدة تبتزنا حين تشاء، وإنما أصحاب علاقات متعددة مع مختلف القوى في عالم تتعزز فيه التعددية القطبية، وهي تعددية تصب في مصلحتنا، لا العكس.

madanbahrain@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى