ظاهرة «السترات الصفراء»
مفتاح شعيب
تطرح احتجاجات «السترات الصفراء» أسئلة كثيرة عن أسباب اندلاعها، فليس دقيقاً أن ضريبة الوقود وحدها هي التي أججت كل هذا العنف، فهناك في الخلف تقف أطراف تغتنم هذه الحالة الشعبية لتحقيق مآرب شتى، ومنها مكاسب سياسية يتربص بها اليمين المتطرف الذي يتصيد المغانم داخل هذه المعركة وغيرها من الظواهر الاجتماعية التي تظهر بين فينة وأخرى في عموم أوروبا.
فرنسا تمر بمشكلات اجتماعية جمة، وكانت هناك توقعات منذ أشهر أن العام 2018 سيكون صعباً جداً في ظل الخطة الحكومية لرفع الضرائب، ومنها ضريبة الوقود التي يمكن أن تكبر في الأيام المقبلة، لا سيما أن قطاعات أخرى عرفت إضرابات مثل شبكة السكك الحديدية والطيران المدني والمزارعين، وهي مستعدة للانضمام إلى هذه الاحتجاجات التي لم تتوقف في المدن الكبرى، بل طالت القرى الصغيرة والأرياف.
ربما ستظل الأزمة تحت السيطرة، وقد تجد لها الحكومة حلولاً إذا بقيت مجرد تحركات اجتماعية ومطلبية، ولكن ما بدأ يظهر تدريجياً أن هذه الاحتجاجات لم تنج من التوظيف السياسي بعدما سارعت تيارات معارضة مثل حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، وحزب «الجمهوريون» اليميني، إلى تبني حركة «السترات الصفراء» وإذكائها بالشعارات المهاجمة لسياسات الحكومة، وتريد في نهاية المطاف أن تنال من الرئيس ماكرون وتضع مزيداً من العراقيل في طريقه.
تزامنت هذه الاحتجاجات مع لحظة سياسية مشبعة بالدلالات، فقد جاءت غداة دعوة ماكرون دول الاتحاد الأوروبي إلى بناء «جيش أوروبي حقيقي» من شأنه أن يواجه التهديدات المفترضة من روسيا والصين والولايات المتحدة، وتلا هذه الدعوة سجال كبير بين فرنسا وأوروبا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى. وكانت الأطراف اليمينية في فرنسا وأوروبا حاضرة لتعمل على إجهاض حلم ماكرون خصوصاً بعد أن حظي بدعم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فقد أعرب ماكرون في برلين عن طموحه بأن يرى أوروبا قوية ضمن حالة اتحادية فريدة. ولا شك أن هذا التوجه لا يروق للإدارة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب تحديداً، ونظراً لأن كل طرف له حلفاؤه في الطرف الآخر، فقد تم توظيف ضجيج الاحتجاجات في المعركة. ومن غير المستبعد أن يكبر الأمر ليصبح أزمة وطنية تستنزف وقت ماكرون وبعضاً من طموحاته.
تعوّل الحكومة الفرنسية على «الحوار» لإنهاء الاحتجاجات، ولكنها تتمسك بقرارات رفع الضرائب على المحروقات، وهو موقف لن يساعدها في إيجاد الحلول الميدانية، ف«السترات الصفراء» عازمة على مواصلة التظاهر وتصعيده، والخطر يكمن في أن قطاعات أخرى تتحفز للتضامن والنزول إلى الشارع، مما يهدد بزيادة وتيرة الغضب الشعبي التي بدأت تمتد إلى خارج الحدود الفرنسية وتمددت إلى بلجيكا. وإلى الآن ليس هناك ما يمنع أن تصبح «السترات الصفراء» علامة على انتفاضة أوروبية واسعة، وتداعياتها خطيرة جداً، تشبه إلى حد ما ثورة الشباب عام 1968.
chouaibmeftah@gmail.com