أخلاقيات الجالية العربية والمسلمة في أمريكا
راي حنانيا *
عندما انبثقت الأخبار عن المأساة المروّعة التي قَتَل فيها رجلٌ مسلّحٌ 11 يهودياً يؤدون شعائر الصلاة في كنيس «شجرة الحياة» في مدينة بتسبرغ يوم السبت، 27/10، شعرتُ بالقلق على الفور.
كنت أخشى أن يكون المتهم، الذي جرح ستة آخرين أيضاً، بينهم أربعة رجال شرطة، «عربياً» أو «مسلماً»، وأن يؤدي ذلك إلى موجة أخرى من الكراهية المعادية للعرب والمسلمين، تجتاح أمريكا، كما حدث في مرات عديدة من قبل.
بدلاً من ذلك، فإن المتهم الذي تم إلقاء القبض عليه، روبرت باورز( 46) عاماً، الأمريكي الأبيض، قال للشرطة إنه يكره اليهود، ويكره الرئيس دونالد ترامب أيضاً، والعرب والمسلمين والمهاجرين.
وعلى الرغم من أن التركيز لم يتحوّل إلى «الإرهاب العربي» أو «الإرهاب الإسلامي»، كما هي الحال في كثير من الأحيان عندما يُرتكب عمل عنيف من قِبل عربيٍّ أو مسلم، كانت المأساة ما تزال تُستغَلُّ من قِبل كثيرين لأغراض سياسية.
وقد ألقى منتقدو ترامب مسؤولية الهجوم على «بيئة الكراهية» التي يدّعون أنه خلقها بهجماته المتكررة على تحامُل وسائل الإعلام الخبرية الرئيسية الأمريكية. وبطبيعة الحال، لم يلتفت هؤلاء المنتقِدون لحقيقة أن «باورز» ذكر أيضاً أنه يكره ترامب.
وكثيراً ما هاجم ترامب منافذ إعلامية خبرية سائدة معينة، متهِماً إياها، بحقٍّ في نظري، بتحريف الحقائق للتقليل من الانتقاد لليبراليين، مع المبالغة في الحقائق لجعل الانتقاد للمحافظين أشدَّ قسوة. وأنا أتعاطف مع الرئيس. فخلال السنوات ال42 الماضية التي أمضيتُها صحفيّاً وكاتباً، شهدتُ بأمّ عيني كيف تلوي بعض وسائل الإعلام عنق الحقيقة لوصْم العرب، لا سيّما الفلسطينيين، بالشرّ، بينما تقلل الانتقاد ل«إسرائيل» إلى أبعد حدّ.
الانحياز الإعلامي حقيقة قائمة. وهو اليوم أسوأ، حيث يتحيّز العديد من المنافذ الإعلامية لأحد الجوانب في السياسة الأمريكية، بدلاً من أن تقوم تلك المنافذ بواجبها في نشر الحقائق بدقة وإنصاف وتوازُن. ولا يزال العرب والمسلمون يتعرضون للتشهير بفعل التحامل في كثير من وسائل الإعلام الخبرية الأمريكية الرئيسية.
ومع ذلك، وبصرف النظر عن هذا النمط العنصري من إصدار الأحكام الإعلامية، الذي يواجه العرب والمسلمين في أمريكا كل يوم، فإن كل منظمة عربية ومسلمة تقريباً، أصدرت بياناً يستنكر عنف «باوزر» ويعبّر عن التعاطف مع الضحايا اليهود، والناجين وعائلات مَن قُتلوا في المذبحة.
قالت منظمة «كنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط»، التي مقرها واشنطن: «مرة أخرى، يجري تذكيرنا بالعواقب الرهيبة للكراهية والتحامل… إننا ننضمّ إلى الآخرين في التوكيد لأخواتنا وإخوتنا اليهود، على تضامننا معهم، وإدانة أولئك الذين يمارسون حقدهم بالسعي إلى الانتقاص من الآخرين، حتى الموت».
وقال مجلس حقوق الإنسان الذي يديره الفلسطينيون في مدينة «ديربورن»( ميتشغان)،:«إن المجلس الأمريكي لحقوق الإنسان يدين بشدة إطلاق النار على كنيس شجرة الحياة في بتسبرغ… إن هذا الهجوم الشنيع بمثابة تذكرة أخرى مؤلمة بخطر العنف الجماعي. إن المجلس يؤكد مرة أخرى أن أعمال الكراهية والعنف و الإرهاب المحلي، لا يمكن تبريرها على الإطلاق، وأن المسؤولية تقع على عاتق الجاني أو الجناة.. وإن المجلس ليُعرب عن تعازيه الخالصة لجميع أُسر الضحايا، لفقدان أعزائها، ويتمنى لجميع المصابين الشفاء العاجل».
وقالت مجموعة الشبكات الإسلامية في كاليفورنيا: «إننا نتوجه بقلوبنا وابتهالاتنا إلى الضحايا وعائلاتهم، وإلى جمعية كنيس شجرة الحياة، وكل الذين طالهم هذا الهجوم الشنيع… وباعتبارنا أمريكيين، نقف مع إخوتنا وأخواتنا اليهود لنقول، إننا لن نتسامح مع أعمال التعصب والحقد والعنف هذه. ونحن كمسلمين، نعرف جيداً كيف يكون الشعور بالخوف، في دور عبادتنا الخاصة بنا».
وصرّح مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، من خلال قيادته الوطنية وفي بتسبرغ، قائلاً: «إننا ندين هذا الهجوم الشنيع والجبان على إحدى دور العبادة، ونقدم تعازينا القلبية لجميع أحباء مَن قُتلوا أو جُرحوا، ونعرب عن تضامننا مع الجالية اليهودية في هذا الوقت المكلل بالصدمة والحزن.. إن هذا الهجوم البربري على جيراننا، الذين نتشارك معهم مدينتنا، والذين زرناهم وتحاورنا معهم مرات عديدة، يثير فينا أعمق مشاعر القلق والفزع. إن مثل هذا العمل المروّع يؤثر علينا جميعاً».
وتمكنت المنظمات الإسلامية، التي أبدت قدرة قوية على جمع الأموال من أجل اهتماماتها الدينية، من جمع مئات الألوف من الدولارات لدعم ضحايا الكنيس.
كل ذلك يجعلني فخوراً، ومعتزّاً بأنّ قادة الجاليات العربية والمسلمة والفلسطينية وقفوا جميعاً مع الحق- على الرغم من التوترات القائمة بين «الإسرائيليين» والعرب، بسبب فظائع الحكومة «الإسرائيلية»، وجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان ضدّ الفلسطينيين.
وهذا يبرهن لي، على أن الجالية العربية والفلسطينية والمسلمة- على الرغم من العنف من جانب «إسرائيل»، والجدل الأحادي الجانب الموالي ل«إسرائيل» على النطاق العالمي- تقوم على أسس أخلاقية متينة.
* صحفي وسياسي سابق أمريكي- عربي.
موقع: «يوراسيا ريفيو»