قضايا ودراسات

علاقة بريطانيا بـ «الإخوان»

د. محمد الصياد

علاقة الولايات المتحدة بتنظيم الإخوان المسلمين (والتنظيمات الإسلاموية الأخرى، بما فيها «الجهادية»)، تحيك خيوطها وتقررها في الغالب الأعم، الأجهزة الأمنية الأمريكية، وبصفة خاصة ومحددة وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي أيه)، وذلك على قاعدة المنطق النفعي ذاته الذي حكمها منذ عام 1953 إبان ولاية الرئيس دوايت آيزنهاور، حين دعت وكالة المعلومات الأمريكية 36 من قيادات الجماعات الإسلامية في عدد من البلدان الإسلامية من بينهم سعيد رمضان، ممثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وصهر مؤسس الحركة حسن البنا ووالد الداعية الذي أُطلق سراحه بكفالة قدرها 300 ألف يورو قبل أيام في فرنسا، طارق رمضان، لإعدادهم ضمن برنامج سري يهدف لتوظيفهم في صراع الولايات المتحدة ضد الشيوعية.
أما علاقة بريطانيا بجماعة «الإخوان» فهي أقدم، إذ تعود إلى أول لقاء بين الجانبين في مصر عام 1941، الذي تم فيه مقايضة المساعدة البريطانية للجماعة بدعم الجماعة لبريطانيا. وفي العام التالي بدأت المخابرات الخارجية البريطانية (MI6) بالتعاون مع قوات الاحتلال البريطانية في مصر، في صرف مساعدات مالية لتنظيم «الإخوان»، وحاولت عدة مرات الالتقاء مباشرة بالقاضي السابق حسن الهضيبي الذي خلف حسن البنا في قيادة الجماعة بعد اغتيال الأخير في عام 1949، لكنها التقت بأحد مستشاريه عديد المرات وهو فرحاني بك الذي لا يعرف عنه سوى القليل، ومن هذا القليل أنه لم يكن على ما يبدو عضواً في جماعة الإخوان المسلمين.
بعد اغتيال مؤسس الجماعة في مصر حسن البنا في فبراير/شباط 1949، وتنصيب حسن الهضيبي مكانه مرشداً جديداً للجماعة في أكتوبر/تشرين الأول 1951، توج المسؤولون البريطانيون لقاءاتهم مع قيادات «الإخوان» بلقاء مباشر مع مرشد الجماعة الجديد في أوائل عام 1953، للتنسيق في ما يتعلق بالمفاوضات التي كانت على وشك البدء بين بريطانيا والحكومة المصرية الجديدة بشأن إجلاء القوات العسكرية البريطانية من مصر، ومصير اتفاقية العشرين سنة التي تم توقيعها في عام 1936 والتي كانت على وشك الانتهاء. جرى اللقاء مع الهضيبي من وراء ظهر مجلس قيادة الثورة المصرية للحصول على دعم الجماعة لتجديد العمل بالاتفاقية بين بريطانيا ومصر، بما يسمح لبريطانيا بالاحتفاظ بامتيازات عسكرية واقتصادية في مصر بعد الجلاء. فكان أن اعتبر مجلس قيادة الثورة المصرية هذا اللقاء السري من جانب الهضيبي الذي وافق على بعض شروط الانسحاب البريطاني من مصر، بمثابة طعنة في ظهر الثورة المصرية، وغلّ يد المفاوضين الحكوميين مع قوات الاحتلال البريطانية، على الجلاء من مصر.
حتى من قبل أن يقرر الزعيم الوطني الجديد لمصر، جمال عبد الناصر، تأميم قناة السويس في يوليو/تموز 1956، فاجأ أنطوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا (من 1955-1957) – وزير الدولة للشؤون الخارجية الجديد، أنتوني نتنج (Anthony Nutting)، أنه يريد قتل جمال عبد الناصر، لأن قيام عبد الناصر بتأميم قناة السويس من شأنه أن «يؤدي بصورة محتومة إلى خسارة مصالحنا وأصولنا في الشرق الأوسط، الواحدة تلو الأخرى»، كما ذكر إيدن في مذكراته لاحقاً، معتبراً في ذلك بأثر الدومينو الذي يمكن أن يُحدثه عمل وطني بهذا الحجم. فتعددت المحاولات البريطانية لإسقاط أو قتل ناصر، وتضمنت واحدة منها على الأقل، عملاً منسقاً مع جماعة الإخوان المسلمين. يقول الكاتب والصحفي البريطاني ستيفن دوريل: «إن الوكيل التنفيذي السابق للعمليات الخاصة والنائب المحافظ نيل بيلي ماكلين وسكرتير مجموعة النواب المختصين بملف السويس جوليان امري، ورئيس هيئة المخابرات البريطانية الخارجية (MI6) في جنيف نورمان داربيشاير، جميعهم اتصلوا مع جماعة الإخوان المسلمين في سويسرا في هذا الوقت تقريباً كجزء من صلاتهم السرية مع معارضة ناصر. ولم تظهر تفاصيل أخرى عن اجتماعات جنيف هذه، لكنها ربما تكون قد اشتملت على محاولة اغتيال أو بناء حكومة في المنفى لتحل محل ناصر بعد حرب السويس». أنتوني نتنج الذي توفي في فبراير 1999، كان أول وزير بريطاني بعد الحرب العالمية الثانية يستقيل من منصبه، وكان ذلك احتجاجاً على ما أسماه «المغامرة المجنونة» التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني السابق، بالتواطؤ مع نظيريه الفرنسي و«الإسرائيلي»، بغزو مصر عام 1956 في أعقاب تأميم الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر لقناة السويس. وكان أنتوني نتنج يبلغ حينها السادسة والثلاثين، متخلياً عن فرصة صعوده لتزعم حزب المحافظين آنذاك.

alsayyadm@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى