البحث العلمي ومستقبل العرب
صادق ناشر
68.6 مليار يورو، هو المبلغ الذي رصدته الحكومة الألمانية العام الماضي للإنفاق على الأبحاث العلمية، وذلك وفق دراسة حديثة، أشارت فيها إلى أن الأوساط الاقتصادية في ألمانيا زادت مؤخراً من نفقاتها على الأبحاث العلمية التي تعزز نشاطاتها وتزيد من قدرتها على المنافسة مع بقية دول العالم.
رقم غير هين أبداً، إذ أظهرت الدراسة، التي أجراها اتحاد المانحين الألماني للبحوث العلمية في مدينة إيسن، أن الاستثمارات في البحوث العملية والتنمية التي ضخها الاقتصاد الألماني العام 2017 بلغت 68.6 مليار يورو، بزيادة قدرها 9.3% مقارنة بعام 2016، بمعنى أن الحكومة لم تكتف بما أنفقته خلال الأعوام الماضية، بل زادت في المخصصات للأبحاث العلمية لمواجهة منافسيها الذين ينفقون أيضاً مزيداً من مليارات الدولارات من أجل تطوير الأبحاث العلمية والحفاظ على إنجازاتهم في مجال التكنولوجيا.
بحسب الدراسة، فإن الشركات الألمانية وظفت المزيد من العاملين في قطاع البحوث العلمية، حيث بلغ عددهم العام الماضي فقط 432 ألف موظف، بزيادة قدرها 20 ألف موظف مقارنة بالعام الذي سبقه، والأهم أن الدراسة رصدت زيادة ملحوظة في استثمارات البحث العلمي والتنمية من جانب الجامعات الخاصة والدولة، حيث شكلت النفقات في هذا القطاع 3.02% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع أن هذا الرقم ليس صغيراً، فإن هناك دولاً تنفق أضعاف ما تنفقه ألمانيا في هذا المجال، فالولايات المتحدة الأمريكية تخصص ما يقرب من 500 مليار دولار لأبحاثها العلمية، متفوقة على الصين، التي ترصد 377 ملياراً، تليها اليابان ب 155 ملياراً، وكوريا الجنوبية ب 74 مليار دولار، لكن عندما نأتي إلى الدول العربية، فإن حضورها يأتي متأخراً في قائمة المنفقين على البحوث والتطوير، وهي أرقام لاتزال واهية جداً، إذ لم تبلغ على سبيل المثال في عام 2014 سوى 1% من الإنفاق المحلي الإجمالي العالمي، أي ما مجموعه 15 مليار دولار من أصل إنفاق عالمي بلغ 1477 مليار دولار.
الأرقام المتواضعة لإنفاق الدول العربية على البحث العلمي تكشف عجزاً في مواجهة تطورات العصر، وعلى الرغم من أن مؤتمرات تعقد هنا وهناك، تطالب بمضاعفة نسب الإنفاق على البحث العلمي 11 مرة على الأقل بهدف ردم جزء من الفجوة مع العالم المتحضر، فإن التقدم في هذا المجال مازال ضئيلاً.
وإذا ما استمر العرب في تجاهل البحث العلمي، فإن مستقبلهم ومجاراتهم للعالم سيتراجع أكثر وأكثر، وهذا يدفع الكفاءات العربية للهجرة بحثاً عن واقع يتعايش مع العلم والابتكار لا مع الجهل والتنكر للمعرفة، وهو أمر صار يؤثر في مستوى المنافسة في المجالات العلمية في المجالات كافة، خاصة أن الكثير من المليارات تذهب في أماكن غير أماكنها الصحيحة، ولو خصصت للبحوث العلمية لرأينا مستقبلاً مزدهراً في العالم العربي كله.
sadeqnasher8@gmail.com