هل اختفت المسوّدات؟
د. حسن مدن
لا نعلم ما هي نسبة الكُتّاب الذين ما زالوا يكتبون كتبهم أو مقالاتهم على الورق، بالقياس لأولئك الذين تحوّلوا إلى الكتابة على الحاسوب مباشرة، ناهيك عن تلك الأعداد الهائلة من الكتّاب والكاتبات الشبان الذين لم يعتادوا أصلاً الكتابة بالقلم، وإنما بدؤوا مباشرة بكتابة «مخطوطاتهم»، إن جاز وصفها، بعد اليوم، بالمخطوطات، مقارنة بالكتاب المخضرمين الذين جرّبوا لفترات تطول أو تقصر، الكتابة على الورق، واعتادوا رؤية الحبر يتحول إلى حروف أمامهم على أوراق أو في كراريس، قبل أن ينعطفوا نحو الحاسوب، بعد أن شاع أمره.
الحق أن بعض كبار الكتّاب في العالم، حتى في زمن الورق والقلم، كانوا يفضلون كتابة مسوّداتهم على الآلة الكاتبة، قبل أن يدخلوا تعديلات، بالإضافة والحذف، عليها، لكن بالقلم هذه المرة، ثم يعيدوا طباعتها منقّحة. وفي ذاكرتنا البصرية صور لإرنست همنجواي مثلاً، وربما لجابرييل ماركيز، وهما يكتبان على الآلة الكاتبة، لكن يظل أن الشائع كان الكتابة بالقلم.
حين حلّ عهد الحاسوب، قاوم الكثير من الكتّاب التكيّف معه، مصرّين على الاستمرار في الكتابة بالقلم، وأوهموا أنفسهم بما وصفوه ب «طقوس» الكتابة الحميمة التي يؤمّنها هذا الشكل من الكتابة، والتي يعجز الحاسوب عن توفيرها، ولكن الكثيرين منهم تحرروا من هذا الوهم بعد أن جرّبوا الانتقال للكتابة عليه، فلاحظوا ما يوفره ذلك من وقت وجهد.
يظل البشر أسرى انشدادهم الرومانسي إلى ما في الماضي من أجواء أزاحتها التقانة الحديثة. أحسب أن حنين بعض الكتّاب إلى القلم والورق يشبه حنيناً إلى الشمعة التي كان عليها أن تنزاح لصالح الكهرباء. لم تختفِ الشمعة كلية من حياتنا، ولكن استخدامها ظلّ محصوراً في دائرة محددة من الطقوس، فعلى كل ما يثيره ضوؤها في النفس من جمال فإنها أعجز عن أن تقاوم نور الكهرباء.
أسبوعية «أخبار الأدب» المصرية، أجرت استطلاعاً قبل شهور مع عدد من الكتّاب العرب حول هذا الموضوع، فتفاوتت آراؤهم بين المتحمس للحاسوب، ولسان حاله يقول: وداعاً للحبر والقلم، حتى إن اللبناني شربل داغر، قال إنه لم يعد يحتفظ بمسوّدات غالبية رواياته، وهو لايرى جدوى في ذلك، لكن لفتني حديث الروائي إبراهيم عبد المجيد، الذي قال إنه يحنّ إلى الكراسات الكبيرة التي كانت حاضنة مسوّداته، حيث كان يكتب النص على صفحاتها اليسرى بالقلم «الفلوماستر» الأسود، ويضع تصحيحاته على الصفحة اليمنى، وكان سعيداً بذلك، رغم أنه فقد الكثير من هذه المسوّدات.
madanbahrain@gmail.com