قضايا ودراسات

لا يريدون السعودية القوية

د. ناجي صادق شراب

لا يريدون للسعودية أن تكون قوية، ولا أن تكون منفتحة، ولا يريدون أن تكون صاحبة مشروع ورؤية سياسية منافسة، ولا يريدون لها أن تكون صاحبة قرار مؤثر. يريدون للسعودية أن تكون دوله منغلقة منعزلة، ضعيفة وهامشية، دولة تابعة لا قرار لها، فقط أن تكون مصدراً للمال.
وفي السياسة المسألة ليس لها علاقة بالحسد، بل بالدور والمكانة والهيبة والمصالح الاستراتيجية العليا. السعودية كأي دولة تحكمها مصالحها وأمنها القومي ومواجهة التهديدات، وهذا تقدير للقيادة السياسية. وتحكمها محددات الأمن الخليجي واستهداف هذا الأمن، وأيضاً الأمن القومي العربي الذي يفرض التكامل والتنسيق على المستوى العربي وخصوصاً مع مصر الدولة المحورية في هذا الأمن. ويحكمها كدولة إسلامية أمن واستقرار العالم الإسلامي بحكم الروابط الاستراتيجية التي تربط السعودية بدوله. وأخيراً دولة تحكمها مصالح أمنية عليا لدورها المحوري والمؤثر في تحديد سوق النفط العالمي، وما لذلك من تأثيرات على استقرار الاقتصاد العالمي.
والسؤال، لماذا السعودية مستهدفة ؟ وما هي الدول والقوى التي تستهدف هذا الدور بشكل مباشر؟ بعيداً عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي الذي أعلنت السعودية مسؤولية عدد من الأشخاص عن قتله، وتقوم بإجراء التحقيقات مع المتهمين والمسؤولين عن هذه الجريمة المدانة بكل أبعادها، إلا أن تسييس هذه الحادثة وتضخيمها لا يمكن فصله عن استهداف دور السعودية ومكانتها وهيبتها كدولة قوة صاعدة.
أولاً، إن تنامي وصعود قوة السعودية يتعارض مع قوة إيران الساعية للتغلغل في قلب المنطقة التي تعتبر مجال حيوي للسعودية، وثانياً، هذا الاستهداف من تركيا كدولة طامحة وساعية لإحياء المشروع العثماني وإحياء دولة الخلافة، تقف في طريقه قوة السعودية المتمثلة بالمشروع والرؤية السياسية التي قدمها ولي العهد محمد بن سلمان تحت شعار«السعودية رؤية 2030»، إن نجاح هذا المشروع الإصلاحي، وتثبيت قوة السعودية معناه بلغة القوة السياسية اختزال وتقوقع المشروع الإيراني في داخل حدود إيران، وهذا يفسر لنا سعي إيران للتمدد والتوسع في قلب المنطقة الخليجية ومحاولات إيران احتواء القوة السعودية في اليمن، وهذا التغلغل يشكل تهديداً مباشراً لأمن ومصالح السعودية العليا.
المشروع الثاني الذي يستهدف الدور السعودي، المشروع التركي، لأن هذا يتعارض مع هدف تركيا باعتبارها صاحبة مشروع إسلامي، وترى نفسها بأنها الوريث الشرعي له، رغم أن تركيا تدرك حجم ومكانة السعودية ودورها الإسلامي. وحملة الاستهداف هذه سبقت مقتل الصحفي خاشقجي عبر العديد من وسائل السوشيال ميديا.
وهنا، ولا يمكن استبعاد خطر المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى تفكيك دول المنطقة وتحويلها إلى دول ضعيفة. ومظاهر الاستهداف هي:
أولاً، المشروع السياسي والإصلاحي الذي تقدمه السعودية كبديل لكل المشاريع المطروحة. ثانياً يستهدف الدور التكاملي للسعودية مع مصر ودولة الإمارات وهو ما يمثل نواة صلبة لإحياء المشروع العربي على أسس قوية. فالدول الثلاث تمثل نواة صلبة للقوة بمعناها الشامل الصلبة والناعمة، وهذا الثالوث من القوة قادر على التصدي لكل المشاريع التي تستهدف المنطقة، ولهذا فإن مصر مستهدفة في دورها، والإمارات أيضاً، لذا فالهدف إفشال هذا المشروع. فهذه الدول قادرة على إحياء المنظومة العربية الجديدة على أسس من القوة، ويمكن أن تشكل في الوقت نفسه أساساً لأي تحالف عربي جديد. وفي هذا السياق يتم استهداف دور السعودية في دعم القضية الفلسطينية. وكما هو معلوم فالسعودية هي الداعم الرئيسي لموازنة السلطة الفلسطينية بستين مليون دولار أمريكي شهرياً.
إن المشككين بدور السعودية إزاء عملية السلام يتناسون أن المبادرة العربية للسلام خرجت من السعودية، والقمة العربية الأخيرة أطلق عليها الملك سلمان قمة القدس دلالة على رفض نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» للقدس والاعتراف بها عاصمة ل«إسرائيل». الهدف فقط هو التشكيك في هذا الدور. ولا يمكن تجاهل دور السعودية الداعم للقضايا الإسلامية، وتصديها لقضية الإرهاب.
لهذه الأسباب تسعى القوى الطامحة والساعية لضرب المشروع العربي عبر ضرب واستهداف الدور السعودي وقوة السعودية واستقرارها الذي لن يحسب إلا من منظور خليجي وعربي. أخيراً، تدرك هذه الدول أنها لن تتمكن من تحقيق أهدافها طالما هناك وعي بهذه الأهداف، وجهد متوفر لإسقاطها.

drnagishurrab@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى