حراك مغاربي
محمود الريماوي
استجابت الجزائر نصف استجابة لدعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس، لتشكيل لجنة ثنائية من البلدين للنظر في المشكلات العالقة بينهما، وذلك حين اقترحت الجزائر دعوة وزراء الخارجية المغاربة لعقد اجتماع بينهم، في مسعى لإحياء الرابط المغاربي بين الدول الخمس (تونس، ليبيا، موريتانيا، المغرب والجزائر). أما المبادرة المغربية فتعتبر من المرات النادرة، التي تتم فيها الدعوة إلى حوار ثنائي مباشر ومفتوح وبغير شروط، بين البلدين. ويذكر هنا أن الحدود البرية مغلقة بين البلدين منذ العام 1994، بينما تنشط حركة الطيران بصورة عادية بينهما. وقد تريثت الجزائر لنحو أسبوع قبل الرد على الدعوة المغربية التي جاءت في إطار الاحتفال السنوي المغربي بالمسيرة الخضراء التي جرى تنظيمها في العام 1975. كما أن مقترح الجزائر يعتبر من المرات النادرة التي تتم فيها الدعوة إلى اجتماع مغاربي على مستوى وزراء الخارجية. وكان قد تم الإعلان في العام 1985 عن اتحاد مغاربي، إلا أن قيام هذا الاتحاد تعثر، وكان الخلاف المغربي – الجزائري حول الصحراء، في صدارة الأسباب التي أدت إلى هذا التعثر المديد.
وواقع الأمر أنه لم يكن من المتوقع أن تستجيب الجزائر للدعوة المغربية التي تمت دون تمهيد أو مشاورات سابقة بين البلدين. وخاصة في الظروف التي تشهدها الجزائر مع قرب إجراء انتخابات رئاسية في هذا البلد في الربيع المقبل. علاوة على أن حدة الخلافات الثنائية وتقادمها، لا تؤذن بانفراجة نوعية فجائية، وإن كانت المبادرات من أي طرف باتجاه الآخر تستحق الترحيب والتنويه الإيجابي. في الغضون فإنه من المقرر أن تشهد جنيف في ديسمبر/كانون الأول المقبل لقاءً رباعياً حول الصحراء برعاية الأمم المتحدة ويضم الجزائر والمغرب وموريتانيا وجبهة البوليساريو، وذلك بناء على اقتراح من مبعوث المنظمة الدولية الألماني هورست كوهلر. ووجود الأطراف الأربعة على مائدة مستديرة واحدة يلبي رغبة المغرب بأن تشارك الجزائر بصورة مباشرة في أية مفاوضات أممية حول الصحراء، بينما ظلت الجزائر تتمسك بموقفها القائل بأن النزاع يدور بين المغرب والبوليساريو.
وإذا قيض للاجتماع الوزاري السداسي الذي دعت إليه الجزائر أن يتحقق، فسوف يشكل إلى جانب الاجتماع الرباعي الذي دعت إليه الأمم المتحدة، فرصة لكسر الجمود الذي يكتنف العلاقات الجزائرية المغربية، إضافة إلى ما يوفره من فرصة لبحث أوضاع المغرب العربي بين وزراء هذه البُلدان.
وكانت المنظمة الدولية قد مددت مؤخراً لبعثتها إلى الصحراء لستة أشهر، بدلاً من سنة كما جرت العادة، وذلك كما يبدو للضغط على الأطراف للتوصل إلى حل لهذا الملف الذي يعتبر من أقدم الخلافات في منطقة المغرب العربي التي لم تشهد تقدماً يذكر على طريق حلها طوال أكثر من أربعة عقود، ومنذ انسحاب القوات الإسبانية من الصحراء في العام 1975 حيث يعتبر المغرب الرسمي والشعبي الصحراء جزءاً من ترابه الوطني.
وفي القناعة الآن وبعد مواكبة لهذا النزاع، فإن الإطار المغاربي يعتبر إطاراً صالحاً للنظر في هذا النزاع، والتقريب بين الفريقين الأساسيين، المغرب والجزائر، وإن كانت أوضاع بعض مكوناته مثل ليبيا، تفتقر إلى الاستقرار، إضافة إلى ما يشهده الوضع في تونس من احتقان سياسي داخلي بين الفرقاء السياسيين والحزبيين مع بقاء الوضع في نطاق السيطرة. وذلك بالطبع لا يقلل من أهمية دور الأمم المتحدة كمظلة أممية، غير أن الماثل هو أن هذه القضية (الصحراء) تخضع لتجاذب الأطراف الدولية في مجلس الأمن، وعلاقة الدول دائمة العضوية بطرفي النزاع.
على هذا النحو يبدو المشهد معقداً، وستظل المبادرة المغربية بالحوار الثنائي المباشر، محطة مهمة على طريق الحل المأمول، وكنقطة ارتكاز لأية خطوات مستقبلية، فالمشكلات لا تحل من تلقائها، والأطراف الخارجية القريبة منها والبعيدة، قد تسهم في التوصل إلى حلول، ونزع فتيل التوتر، غير أن الفيصل يبقى في أن تتولى أطراف النزاع بنفسها، النظر في المشكلات وأسبابها، واستكشاف الطريق الصالح نحو الحلول بما يحفظ حقوق ومصالح الطرفين، خاصة أن تاريخ المغرب والجزائر يشهدان على أن بلدان المغرب العربي بما فيها الجزائر والمغرب، عاشت حقبة من التعاون والتواصل في زمن النضال ضد الاستعمار، ولا يعقل أن يؤدي استقلال هذه الدول إلى رفع الحواجز والحدود وإثارة النزاعات بينها.
mdrimawi@yahoo.com