ماذا لو لَمَسَ حصاناً؟
يوسف أبو لوز
لا نعرف الكثير عن حياة وثقافة الغجر سوى أنّهم شعب الرحيل من مكان إلى آخر، والتنقّل الدائم في عربات «تدثّرت إلى نصفها بالطنافس»؛ حيث ينامون بين عجلات هذه العربات كما يقول الشاعر الرّوسي «ألكساندر بوشكين – 1799-1837» في قصيدة له بعنوان «الغجر» ومنها.. «.. في سهوب بيارابيا، يتنقّل الغجر في ضجيج، هم اليوم يقضون ليلتهم على الشاطئ في خيامهم المثقّبة.. إن مبيتهم لبهيج كالحرية».
كان بوشكين معارضاً عنيداً للقياصرة الروس وسلوكهم الإقطاعي الذي يحوّل البشر إلى عبيد، وهكذا، غضب أحد القياصرة على بوشكين، ونفاه إلى «بيارابيا»، وهناك في منفاه القسري تعرّف إلى حياة الغجر، وله أكثر من قصيدة حول هذا الشعب أو هذه الأقلية التي تبدو وكأنّها تعيش في الرّيح، ويقال إن للقيصر يداً في مقتل بوشكين الذي وجد نفسه مضطراً لمبارزة أحد ضباط القيصر الذي تحرّش بزوجة الشاعر، ثم، من أين لشاعر أن يجيد إطلاق النار أو استعمال سلاح مثل المسدس؟.. وهكذا مات أجمل شعراء روسيا بدسيسة قذرة من القيصر الذي كان يخاف من شعر بوشكين الحيّ أبداً في قلوب الروس حتى اليوم.
قراءة واقعة موت بوشكين ونفيه وحياته القصيرة بين الغجر تستدرجك في نوع من الفضول للبحث عن قصائد لشعراء غجريين، وسوف أقع على نصوص قليلة لشاعر غجري هو «لايوس رافي مواليد 1970» نقلها إلى العربية الكاتب عبدالستار نور علي عن السويدية، وقد كتبت في الأصل بالهنغارية.. ويخبرنا المترجم أن «لايوس رافي» أخذ بكتابة الشعر مبكراً، ولكن والده عارض ممارسته الشعر معارضة شديدة؛ لأن كتابة الشعر غير مألوفة عند الغجر،.. إضافة، كما يقول عبد الستار علي إلى خوفه من البوليس السرّي الروماني، فأحرق قصائده.. ومن شعر هذا الغجري حفيد الحدّاد قوله:.. «.. إذا بكى قلبه.. يسقي حنجرته». و«أنا ألعن الغصن الذي منحني لوني الأصفر»، و«اليوم تحوّل دمي ماءً. إذا لم تكن الكلمة جارتك.. تضطرّ أن تنادي الله..».
حياة الغجر الرحّالة المتنقّلين في الرّيح حياة شعرية بامتياز، ولكن غير مقبول من الغجري أن يكتب الشعر. مطلوب منه أن يعتني بالخيول ويعامل الحصان معاملة رجل لرجل كما يقول الباحث د. خزعل الماجدي، فالغجري بحسب الماجدي عندما يحب إنساناً يقول له: أتمنّى أن تعيش خيولك طويلاً، ولكن أغرب ما في بحث د. خزعل الماجدي عن الغجر أن العشيرة إذا أرادت نبذ شخص معيّن تأمر امرأة متزوجة بتمزيق قطعة من ثوبها وترميها على رأس هذا الشخص، فيجد نفسه منبوذاً وإلى الأبد من كافة العشائر، ولا يكلمه أحد حتى عائلته.. حتى الأشياء التي يلمسها يجب أن تحرق..
طيّب.. ماذا يفعل الغجر إذا لمس هذا المنبوذ حصاناً؟!.
yabolouz@gmail.com