قضايا ودراسات

الشروط المبدئية لكي تقود أمريكا العالم

عاطف الغمري

اعتاد المفكرون السياسيون في الولايات المتحدة على ترديد معنى يختص بعلاقات الولايات المتحدة، ودورها على المستوى الدولي، يتضمن القول بعبارات مختلفة، لكنها متشابهة، بأن أمريكا هي الدولة المؤهلة بأن تقود العالم، بما في ذلك حلفائها التقليديين. مع محاولة لتأكيد مقولة السيادة الأمريكية على العالم.
لكن هذا المعنى كان يسانده – بدرجة أو بأخرى – ما أصبحت عليه الولايات المتحدة كقوة كبرى من وقت الحرب العالمية الأولى (1914 – 1919)، ثم هيمنتها على المسرح العالمي كقوة عظمى من بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ودورها في دعم حلفائها بدءاً من مشروع مارشال لإعادة تعمير أوروبا، والتزامها بالدفاع عن حلفائها، باعتبار أن ذلك يدعم في الوقت نفسه مصالح الولايات المتحدة في هذه الدول. وبالتالي فإن العملية تبادلية، وليست منحاً تقدمها أمريكا إلى هذه الدول دون مقابل. أي أنه كانت هناك أسباب تدعو مختلف هذه الدول – حلفاء وأصدقاء – إلى أن يتقبلوا بأن تكون أمريكا في وضع القيادة العالمية.
هذا المفهوم لم يحدث له أن اهتز إلا في فترة حكم الرئيس دونالد ترامب، وما أدخله من مراجعات على مبدأ التبادلية المشتركة في العلاقة مع الآخرين. وتراجع الثقة – حتى لدى أقرب حلفاء أمريكا إليها – في مصداقيتها، وإمكان الاعتماد عليها، في دعم دولهم وفي حماية أمنهم. وأكثر من ذلك ما بدأ يتراءى لهم من فوضى تنفيذية تأخذ بتلابيب المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، مما أضعف من ثقة الحلفاء في العقيدة الجوهرية لدى الأمريكيين، وهي أن أمريكا لديها قدرة على قيادة العالم، أو استمرارية الشعار الذي رفعته الولايات المتحدة طويلاً وهو أمريكا زعيمة العالم الحر، وخاصة بعد أن كرر ترامب، أفعاله المستفزة للحلفاء والتي يحاول بها الانفراد بالرأي في قضايا تتعلق بمصالحهما معاً.
ويحضرني هنا ما قاله جيمس ستافريدس، أحد القادة الكبار السابقين في حلف الأطلسي، وعميد كلية العلاقات الدولية، من أنني لم يسبق لي أبداً أن رأيت مكانة دولة تهبط إلى هذا الدرك الأسفل، وأن الأمر يحتاج أفضل الجهود من الفريق المعاون للرئيس المختص بالشؤون الدولية، وكذلك كلنا، لكي نقدم تأكيدات لحلفائنا، وأصدقائنا، وشركائنا، ليتحلوا بالصبر، ولمنع أية أضرار سلبية تقع نتيجة ذلك.
وإن كنا نشهد بداية شعور هؤلاء الشركاء بالقلق تجاه وضع الرئيس ومدى بقائه في الحكم، وما ينتابهم من شكوك في قدرة أمريكا على أن تقود المبادرات السياسية الدولية، من سوريا إلى إيران إلى كوريا الشمالية. والمخاوف تزداد من احتمالات فوضى في إدارة ملفات السياسة الخارجية. وهذا بدوره ينذر بالإضرار بسمعة الولايات المتحدة في نظر العالم.
المشكلة وراء وصول الحالة الأمريكية إلى هذا الوضع، ترجع إلى الرغبة الغريزية لدى الرئيس ترامب، في أن ينفرد بالقرارات المهمة في السياسة الخارجية، وشعوره الذي عبر عنه مراراً، بأن أياً من الرؤساء الذين سبقوه لم يقدروا على إنجاز ما استطاع هو إنجازه، وأيضاً تكرار تخلصه من الوزراء والمساعدين الذين لا يرضى عنهم. وهو وضع يختلف عما كان سائداً في عهود مختلف الإدارات الأمريكية التي سبقته، الذين التزموا بعلاقة متصلة يومياً مع خبراء السياسة الخارجية من النخبة، والذين كانت آراؤهم تمثل ضماناً لاستمرارية القرار، وتجنب التردد، أو الخروج على القواعد الراسخة للعلاقات الخارجية، خاصة مع الحلفاء، الذين تمتزج مصالح أمنهم القومي مع مصالح الولايات المتحدة. عندئذ لم يكن هناك فقدان الثقة في أن أمريكا كانت مركز القيادة للعالم.. أو على حد تعبيرهم للعالم الحر.

ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى