المغرب العربي وعودة الروح
كمال بالهادي
منذ أن أعلن العاهل المغربي عن رغبته في حل الخلافات مع الجزائر، وتجاوز مرحلة القطيعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدين على خلفية قضية الصحراء، والحديث يتزايد عن عودة الروح لاتحاد المغرب العربي، الذي تعطل منذ سنوات عديدة وبقي مجرّد حلم على ورق.
الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، الطيب البكوش، كان قد أعلن أن هناك جهوداً مضنية يتم بذلها من أجل جمع القادة المغاربة على طاولة واحدة، ويبدو أن هناك تغيّراً في المواقف في الأسابيع الأخيرة، قد يسرّع بعقد جلسة لوزراء خارجية الدول الخمس، وهي التي ستمهّد لعقد القمة الرئاسية السابعة المعطّلة منذ العام 1994. وإذا ما تحققت هذه الخطوات فإنه يمكن القول إنّ الروح ستعود لهذا التكتل الإقليمي الذي يمكن أن يكون له دور استراتيجي، على مستوى إقليمي وحتى على مستوى دولي.
الجزائر ردّت على طلب الأمين العام للاتحاد المغاربي بشكل صريح وواضح، بأن طلبت عقد قمة وزراء الخارجية المعطلة منذ العام 2003، في أقرب وقت ممكن، وذلك لأهميّة إحياء هذا التجمع الذي يحتوى على كلّ مقوّمات النجاح. الخارجية الجزائريّة، قالت بوضوح إنّ «اتحاد المغرب العربي، يبقى المجموعة الجهوية، الأقل اندماجاً على الصعيد الإفريقي».
ويبدو أن هناك إشارات إيجابية في الآونة الأخيرة تأتي من الرباط ومن الجزائر، وهي التي ستزيل كلّ العقبات. منذ الصيف الماضي، بدأت سُحُب الخلاف تنقشع، فالجزائر صوتت لصالح المغرب في مسابقة تنظيم مونديال سنة 2026، وكانت الخطوة غير متوقعة في واقع الأمر، ولكنها وقعت، وبدأ بعدها الحديث عن إمكانية تنظيم مشترك بين تونس
والجزائر والمغرب، في دورة 2030، ولو تمّ تقديم هذا المطلب بصفة مشتركة فإنه سيحظى بفرصة كبيرة للفوز. الإشارة الثانية جاءت في خطاب الملك المغربي محمد السادس، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني، الذي دعا الجزائر إلى الحوار وإلى طيّ صفحات الخلافات. وبالرغم من الصمت الجزائري عن الردّ على المبادرة المغربية بصفة صريحة ومباشرة، إلا أن لقاء رئيس الحكومة الجزائري بالملك المغربي في باريس، على هامش إحياء ذكرى مرور مئة سنة على نهاية الحرب العالمية الأولى، ولقاء نظيره المغربي، كانتا خطوتين مهمتين في مسار إعادة الروح للعلاقات بين البلدين.
الخبراء في البلدان الخمس، يدركون حجم الخسائر التي تتكبدها الشعوب نتيجة تعطيل بناء مؤسسات الاتحاد، فالحلم الذي بدأ من العام 1989، في مراكش، وهو يعود في الأصل إلى العام 1958، كان يحمل أملاً حقيقياً لمنطقة، يمكن أن تكون منافسة جدّياً في حوض المتوسط. فالحلم بدأ بتركيز اتحاد لرجال الأعمال وبنك للاستثمار والتجارة، وجامعة وأكاديمية للعلوم، فضلاً عن مجلس للشورى، وهيئة قضائية تكون مهمتها التحكيم في النزاعات التي يمكن أن تنشأ، لكن أيّاً من هذه المؤسسات قد وجدت طريقها للتنفيذ، وحتى التي وقع استكمال بنائها، فإن جلساتها ظلت صورية. ولكن الخسارة الأكثر فداحة هي المتعلقة بحجم الفرص الاقتصادية المهدورة، وبحجم الثروات المعدنية والطبيعية التي تتم الاستفادة منها. فكل الموارد متوفرة من نفط وغاز ومعادن ثمينة
وفوسفات وحديد، وأرض زراعية مهملة يمكن أن تحول المنطقة إلى جنّة في شمال إفريقيا.
يبدو مطلب إعادة الروح لهذا التكتل أمراً ملحّاً، لأمن الدول المغاربية أولاً، ولأمن العالم أيضاً. فلا يخفى على أحد أن التنظيمات الإرهابية تحيط بدول المغرب العربي من كل جانب، وليبيا تعيش حالة انفلات منذ سنوات، والدول المغاربية باتت مصدّرا للإرهابيين نتيجة استشراء الفقر. كما أن بعض الدول أصبحت موانئ عبور للجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية والمخدرات. وبعضها تغرق في مديونية تعطل كل فرصة للتنمية، تساهم في خلق أزمات اجتماعية خانقة. والوضع سيزداد تأزّماً، كلما تأخرت هذه الدول في تبنّي رغبات الشعوب، وفي الارتقاء بالاتحاد إلى اتحاد يقوم على إعلاء شأن المؤسسات ومصالح الشعوب. لا شيء يمنع في واقع الأمر تحقق هذا الحلم، إذا توفرت الإرادة السياسية. ويبدو أن هذه الإرادة قد عبّرت عن نفسها في الآونة الأخيرة.
belhedi18@gmail.com