مهلة قصيرة للبرلمان
فيصل عابدون
مهلة قصيرة ممنوحة للبرلمان البريطاني للتصويت في قضية مصيرية وحاسمة إزاء مستقبل المملكة المتحدة السياسي والاقتصادي ونفوذها وعلاقاتها الدولية ومستقبل وحدتها الداخلية. كما تحدد أيضاً وبقدر مساو درجة استقرار أو اهتزاز الوحدة الأوروبية ومؤسساتها المعاصرة. فبريطانيا ومن ورائها الحكومات والشعوب الأوروبية تحبس أنفاسها بانتظار ما إذا كان النواب في مجلس العموم البريطاني سيوافقون على وثيقة الاتفاق على بنود وشروط الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي أم يرفضون الوثيقة. والمهلة تنتهي في الحادي عشر من ديسمبر المقبل.
من وجهة نظر رئيسة الوزراء تيريزا ماي فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد مشاورات ودراسات مضنية والذي حاز موافقة الجانب الأوروبي هو أفضل الخيارات الممكنة ويحقق المصلحة الوطنية، ويجنب البلاد مخاطر القفز في الظلام وتكبد خسائر اقتصادية وتجارية فادحة وانقسامات تهدد الوحدة عبر الخروج من دون اتفاق.
وفي الجانب الآخر إن خصوم ماي والمشككين في جدوى وثيقتها للخروج، وفي مقدمتهم زعيم حزب العمال جيرمي كوربين وقادة في حزبها الحاكم وصحف نافذة في تشكيل الرأي العام، يعتبرون أن مشروع الاتفاق كارثة وإهانة للمملكة المتحدة ويشكل «اعتداء وطنياً»، ويحول بريطانيا إلى تابع للاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن موقفهم الحازم هو إسقاط الاتفاق في البرلمان. لكن من دون خطة بديلة.
وهناك أيضاً تيارات وأحزاب متأرجحة في لندن وإيرلندا واسكتلندا لديها ملاحظات على الاتفاق وتطلب إيضاحات إضافية تتعلق بحماية مصالحها وهمومها الخاصة، وتمارس ضغوطاً متفاوتة وهي قد تصوت لصالح الاتفاق أو تصوت لإسقاطه.
ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف التي تتبعثر فيها المواقف أن تصبح التوقعات صعبة للغاية بالنسبة لنتائج التصويت. وحتى مراكز الرصد والاستطلاعات امتنعت عن تقديم تنبؤات يمكن أن تؤشر لمصير الاتفاق. وربما لم تشأ هذه المراكز أن تقع في ذات الخطأ الذي وقعت فيه عند بداية الاستفتاء على خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد، فقد أشارت التوقعات حينها إلى فوز المؤيدين للبقاء في عضوية التكتل الأوروبي، غير أن النتائج جاءت مخيبة للآمال ودخلت البلاد بعدها مرحلة البحث عن الخروج الآمن واحتمالاته ومخاطره الماثلة والمستقبلية.
صحيفة «الجارديان» كانت هي الوحيدة التي تخطت المخاوف عندما رجحت فشل رئيسة الوزراء في مهمتها المتعلقة بتمرير الاتفاق في البرلمان، في ظل تزايد أعداد منتقديه من أعضاء حزب المحافظين الحاكم وغيره، فيما أشارت إلى أن بريطانيا تشهد بداية فصل جديد من حياتها يكتنفه الغموض؛ بحيث لم يعد البريطانيون يرون بوضوح سوى أن بلدهم اقترب من نهاية غير سعيدة وغير ضرورية في قصة امتد زمنها زهاء 45 سنة.
هذه القصة الممتدة لأكثر من أربعة عقود والتي انعقدت عليها الآمال العريضة في توحيد شعوب القارة الأوروبية واقتصاداتها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية بما يضمن بروز أوروبا قوة موحدة وعظمى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، باتت تنتظر مصيرها مع تصويت نواب مجلس العموم البريطاني في الحادي عشر من ديسمبر المقبل. والتصويت المرتقب هو استفتاء جديد للشعب البريطاني لاختيار واحد من طريقين لمغادرة الصفوف فإما خروج عن تراض يحفظ مصالح الطرفين وإما طلاق غير مأمون العواقب.
Shiraz982003@yahoo.com